زَكَاةَ فِيهِ خَارِجٌ مِنِ اسْمِ الْمَالِ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ حُكْمِ الزَّكَاةِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمَ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (الأنعام: ١٥٢) وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً) {النساء: ١٠) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْحَظْرَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ جمعيها أَمْوَالٌ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ الْمَالِ سكةٌ مأبورةٌ، ومهرةٌ مأمورةٌ " يُرِيدُ بِالسِّكَّةِ: النَّخِيلَ الْمُصْطَفَّةَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الدَّرْبُ سِكَّةً؛ لِامْتِدَادِهِ.
وَالْمَأْبُورَةُ هِيَ الَّتِي يُؤَبَّرُ ثَمَرُهَا، وَالْمُهْرَةُ الْمَأْمُورَةُ هِيَ الْكَثِيرَةُ النَّسْلِ، فَجَعَلَ النَّخْلَ وَالْخَيْلَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ الْمُتَمَوَّلَةَ في العادة تكون أموالاً كالمزكاة؛ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَالِ مَا يُقْتَنَى وَيُتَمَوَّلُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ المزَّكَاةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمُزَكَّى.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَتَيْنِ، فَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ وَإِنْ تَنَاوَلَ جَمِيعَهَا، فَهُوَ مَخْصُوصٌ فِي الزَّكَاةِ بِبَعْضِهَا مَعَ بَقَاءِ الِاسْمِ فِي الْخُصُوصِ، كَمَا بَقِيَ اسْمُ السَّارِقِ عَلَى مَنْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَإِنْ خُصَّ بِسُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الدُّيُونُ فَضَرْبَانِ: حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ.
فَأَمَّا الْحَالُّ فَهُوَ مَالٌ مَمْلُوكٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَيَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ.
وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَفِي كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا يَحْنَثُ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ كَالْحَالِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ بِمَالٍ مَمْلُوكٍ حَتَّى يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ الدَّيْنُ مَالًا مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مَالًا كَالشُّفْعَةِ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) {المعارج: ٢٤) ، وَفِي الدَّيْنِ الزَّكَاةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَانَ مَمْلُوكًا كَالْأَعْيَانِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ، فَهُوَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ كالمطالبة بإقباض الأعيان، ثم لم يمنع الْمُطَالَبَةُ بِالْأَعْيَانِ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، كَذَلِكَ الْمُطَالَبَةُ بِالدُّيُونِ.
وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، فَالْمُسْتَحَقُّ فِيهَا الْحُكْمُ بِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزِ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا، وَالْمُطَالَبَةُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَتِ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، فَافْتَرَقَا.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ كَانَ لِهَذَا الْحَالِفِ مَالٌ مَرْهُونٌ أَوْ مَغْصُوبٌ حَنِثَ بِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ ضَالٌّ، فَفِي حِنْثِهِ بِهِ وَجْهَانِ: