للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِصْفِ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ بِهَا إِلَّا أَقَلَّ اللَّيْلِ فَصَارَ كَالْخَارِجِ مِنْهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَتَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا أَوْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: اسْتِحْبَابٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي " الْأُمِّ " وَ " الْإِمْلَاءِ " وَالْحُكْمُ فِي هَذَا كَالْحُكْمِ فِي دَمِ الدَّفْعِ عن عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ أَرْبَعَةَ دِمَاءٍ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا مِنْهَا هَذَانِ.

وَالثَّالِثُ: دَمُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى.

وَالرَّابِعُ: دَمُ طَوَافِ الْوَدَاعِ، فَنَّصَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ الدَّمَ فِيهَا وَاجِبٌ، وَنَصَّ فِي " الْأُمِّ " وَ " الْإِمْلَاءِ " أَنَّ الدَّمَ فِيهَا اسْتِحْبَابٌ.

فَأَمَّا حُدُودُ مُزْدَلِفَةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنْ بَاتَ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا موقفٌ إِلَّا بَطْنَ محسرٍ ".

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَأْخُذُ مِنْهَا الْحَصَى لِلرَّمْيِ يَكُوْنُ قَدْرَ حَصَى الخذف لأن بقدرها رمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يُخْتَارُ لِمَنْ بَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَ آخَرُونَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنَ الْمَأْزِمَيْنِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخذ حصى الجمرة من مزدلفة ونختار أَنْ يَلْتَقِطَهَا وَلَا يَكْسِرَهَا، وَاخْتَارَ آخَرُونَ أَنْ يَكْسِرَهَا وَمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْتَقِطُوا وَلَا تُنَبِّهُوا النُّوَّامَ " وَنَخْتَارُ أَنْ يَغْسِلَهَا، وَكَرِهَ آخَرُونَ غَسْلَهَا وَمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ جِمَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَمَّا قَدْرُ الْحَصَى الْجِمَارِ وَهُوَ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَّاءِ، وَيُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: " هَاتِ فَالْقِطْ لِي حَصًى فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذَفِ فَوَضَعْتُهُنَ في يده فقال: بأمثال هؤلاء وإياكم الغلو فَإِنَّمَا أُهْلِكَ مَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ". وَرَوَى حَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " ارْمُوا الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ " وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْجِمَارَ وَبِأَيِّ قَدَرٍ رَمَى أَجْزَأَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:

أَحَدُهَا: حَصَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَصَى لَيُسَبِّحُ فِي الْمَسْجِدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>