عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا فِي الْحَالَيْنِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ تَعَلُّقًا، بِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَامِ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَقُلْتُ: مَا لِي فَقَالَ إِنَّكَ تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَنَعَ مِنَ الْجِمَاعِ مَنَعَ مِنْ دَوَاعِيهِ كَالْحَجِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مَعَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ فِيهَا شَيْخٌ وَالَّذِي نَهَاهُ عَنْهَا شَابٌّ وَلِأَنَّ الْقُبْلَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ خَوْفَ الْإِنْزَالِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَرَّكْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ أَمِنَ الْإِنْزَالَ فَلَمْ تُكْرَهْ لَهُ، وَإِذَا تَحَرَّكَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ، خَافَ الْإِنْزَالَ فَكُرِهَتْ لَهُ فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ لَفْظًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاحَ قُبْلَةَ الصَّائِمِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا نَقَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَفْظًا فِي الْيَقَظَةِ، بِمَا رَوَاهُ فِي الْمَنَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ نَسْخًا لِلْخَبَرِ الْآخَرِ وَالنَّسْخُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَا يَقَعُ وَاعْتِبَارُهُمْ بِالْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْمَنْعِ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ مِنَ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْعَقْدِ وَالطِّيبِ فَجَازَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْقُبْلَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا إِنْ أَنْزَلَ أَحَدٌ عَنْ مُبَاشَرَةٍ بِلَا إِيلَاجٍ فَفِيهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ مِثْلُ أَنْ يَمَسَّ، أَوْ يَلْمَسَ أَوْ يُقَبِّلَ أَوْ يُضَاجِعَ أَوْ يَطَأَ دُونَ الْفَرْجِ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَدْ دَلَّلْنَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَأَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ ثُمَّ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا وَجَدْنَا كُلَّ عِبَادَةٍ حُرِّمَ فِيهَا الْوَطْءُ، أَوْ غيره فللوطئ فِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْحَجِّ فكذلك الصوم.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ تَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ فَكَّرَ بِقَلْبِهِ فَأَنْزَلَ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ إِجْمَاعًا لِأَنَّ الْفِكْرَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أَمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِسْيَانَ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا " فَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فَأَنْزَلَ فَإِنْ كَانَ بِأَوَّلِ نَظْرَةٍ لَمْ يَأْثَمْ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ وَتَلَذَّذَ بِهِ فَقَدْ أَثِمَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَنْزَلَ بِأَوَّلِ نَظْرَةٍ فَعَلَيْهِ القضاء دون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute