تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] .
فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا لَا يَقْبَلُهُ مِنَ الدُّعَاءِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] . فَلَوْلَا تَأْثِيرُ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَهُ لَمَا نَدَبَ إِلَيْهِ.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا من ثلاثة أشياء، صَدَقَة جَارِيَة، أَوْ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ ".
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أمي اقتتلت نفسها، ولولا ذلك لتصدقت وأعطيت، أفيجز لي أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: نعم فتصدقي عنها.
قولها: اقتتلت نفسها، أَيْ مَاتَتْ فَلْتَةً مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قال: نعم، قال فإن لي لمخرفا وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا.
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا، وَهِيَ دُعَاءٌ لَهُ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَاحِقًا بِهِ، مسموعا منه فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِ صَلَاةٍ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ الْمَيِّتَ قَضَاءُ الدُّيُونِ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ مُؤَاخَذًا بِهَا وَمُعَاقَبًا عَلَيْهَا، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَجُزْ ذلك حين جَازَ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ حَيًّا.
فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] .
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] . أَيْ فَعَلَيْهَا، على أن ما مات عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي حكم ما يسعى في قصده.
وَأَمَّا الْإِيمَانُ: فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ عَنِ الْحَيِّ، فَكَذَلِكَ عَنِ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ كَالصَّدَقَةِ، على أنه قد يتيسر حُكْمُ الْإِيمَانِ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا يكون الأب متيسرا إلى صغار ولده.
[فصل:]
فإذا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَوْدِ الثَّوَابِ إِلَى الميت، بفعل غيره، فما يفعل عنه عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَغَيْرِ أَمْرِهِ.