فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ أَنَّ الْوِكَالَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا بِعُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ لِلْأَعْذَارِ تَأْثِيرًا فِي عُقُودِ الْإِجَارَاتِ كَالضِّرْسِ المستأجر على قلعه إذا برأ فَالْجَوَابُ عَنْهُ هُوَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً بِعَقْدِ إِجَارَةٍ فَقَدِ اسْتَحَقَّهَا وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ سُكْنَى دَارٍ فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَلَا يُجْبَرَ عَلَى سُكْنَاهَا فَإِنْ مُكِّنَ مَنْ سُكْنَاهَا فَلَمْ يَسْكُنْ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ هَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي الْإِجَارَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الضِّرْسُ عَلَى حَالِ مَرَضِهِ وَأَلَمِهِ فَقَلْعُهُ مُبَاحٌ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجِيرَ بِقَلْعِهِ إِنْ شَاءَ.
فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَقْلَعَهُ مَعَ أَلَمِهِ لَمْ يُجْبِرْ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ قَدْ بَذَلَ لَكَ الْأَجِيرُ الْقَلْعَ وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةً يُمْكِنُ فِيهَا قَلْعُهُ فَقَدِ اسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ كَمَا لَوْ مضت مدة السكنى وإن برأ الضِّرْسُ فِي الْحَالِ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَلْعِ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ قَلْعَهُ قَدْ حَرُمَ وَعَقْدُ الْإِجَارَةُ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مُبَاحًا لَا مَحْظُورًا فَصَارَ مَحَلَّ الْعَمَلِ مَعْدُومًا فَلِذَلِكَ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَتَلِفَ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالتَّلَفِ وَبَيْنَ تَعَذُّرِهِ بِالْحَظَرِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَأَنَّ فَسْخَهُ بِالْعُذْرِ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُثُلَاتِ فِيهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ في البيع لأنهما معاً من عقود المفاوضات.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ مَا لَزِمَ مِنْ عُقُودِ الْمَنَافِعِ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ ولأن اشتراط الثلاثة يَتَضَمَّنُ إِتْلَافَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي جَمِيعِهِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي ابْتِيَاعِ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ إِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَبْطُلِ الْبَيْعُ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَبْقَ جَمِيعُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ الرَّطْبِ.
: فَإِذَا صَحَّ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَدْخُلُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَدْخُلُهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُهُ كَالْبَيْعِ لِكَوْنِهِمَا عَقْدَيْ مُعَاوَضَةٍ فَعَلَى هَذَا إِنْ أَجَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ الثَّانِيَةُ وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْإِجَارَةِ الْأُولَى. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ الْأُولَى وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الثَّانِيَةُ حَتَّى يَتَقَدَّمَهَا الْفَسْخُ لِئَلَّا يَصِيرَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَسْخًا وَعَقْدًا لِتَنَافِيهِمَا.
وَلِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ الْأَوَّلُ وَتَوْجِيهُ الْمَذْهَبِ هُوَ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْعَقْدِ الثَّانِي يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالتَّأَهُّبِ لِلثَّانِي وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ أَجَّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَتْ إِجَارَتُهُ بَاطِلَةً سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُؤَجِّرِ يَمْنَعُ مِنْ إِمْضَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute