حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَسْكُنَنَّ هَذِهِ الدَّارَ، فَالْبِرُّ يَتَعَلَّقُ بِرَحْلِهِ، وَخَدَمِهِ دُونَ بَدَنِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ وَاللَّهِ لَأَسْكُنَنَّهَا تَعَلَّقَ الْبِرُّ بِنَقْلِ رَحْلِهِ وَخَدَمِهِ دُونَ بَدَنِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَسْكُنَنَّ هَذِهِ الدَّارَ تَعَلَّقَ الْبِرُّ بِبَدَنِهِ دُونَ رَحْلِهِ وَخَدَمِهِ كَمَا قُلْنَا، وَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ مِنَ الْأَيْمَانِ مِنَ الْعِدَّةِ بِنَقْلِهِ الْبَدَنَ دُونَ الرَّحْلِ وَالْخَدَمِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: ٢٩] فَأَخْبَرَ أَنَّ بُيُوتَ الْمَتَاعِ غَيْرُ مَسْكُونَةٍ وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذي ذرع عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧] فَأَخْبَرَ بِإِقَامَتِهِمْ فِيهِ مَعَ خُلُوِّهِمْ مِنْ رَحْلِهِمْ وَمَالِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْبَدَنِ دُونَ الرَّحْلِ وَالْمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسَافِرُ بِبَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الْمُقَامِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ صِفَةُ السَّفَرِ مِنِ اسْتِبَاحَةِ الرُّخَصِ، وَلَوْ أَقَامَ بِبَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فِي حَظْرِ الرُّخَصِ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ السُّكْنَى وَالِانْتِقَالِ بِالْبَدَنِ دُونَ الْمَالِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنِ اعْتِبَارِ الِانْتِقَالِ بِالْبَدَنِ دُونَ الرَّحْلِ وَالْمَالِ فَطُلِّقَتْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنَ الدَّارِ الْأُولَى وَقَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى الدَّارِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي الدَّارِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ هِيَ الْمَسْكَنَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فِي أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْنَهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْقُرْبِ فَيَرْجِعَ حُكْمُهُ، فَإِنْ كَانَتْ إِلَى الدَّارِ الْأُولَى أَقْرَبَ اعْتَدَّتْ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ إِلَى الثَّانِيَةِ أَقْرَبَ اعْتَدَّتْ فِيهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ أَبِي الْفَيَّاضِ، وَلَكِنْ لَوِ انْتَقَلَتْ بِبَدَنِهَا إِلَى الدَّارِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْأُولَى لِنُقِلَّ رَحْلَهَا فَطَلَّقَهَا وَهِيَ فِيهَا اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا إلى الأرض لَمْ يَكُنْ بِمُقَامٍ وَنُقْلَةٍ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ إِذَا دَخَلَتْ دَارَ جَارٍ لِحَاجَةٍ.
وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الدَّارِ الْأُولَى وَاحِدَةً ثُمَّ كَمَّلَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا فِي الدَّارِ الثَّانِيَةِ عَادَتْ إِلَى الدَّارِ الْأُولَى فَأَكْمَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةَ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ أَوَّلَ عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ الْمَبْتُوتِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فِي الْأُولَى فَلِذَلِكَ لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ فِيهَا آخِرًا كَمَا اعْتَدَّتْ فِيهَا أولاً والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا بِهَا أَوْ أَذِنَ لَهَا في
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute