للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي صَحَّتِ الْوَكَالَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ. وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيهِ عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ كَانَ فِي الْوَكَالَةِ وَجْهَانِ: ذَكَرَهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي إِفْصَاحِهِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا أُخِذَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَخَذَ بِهِ الْمُوَكِّلُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَكَالَةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ إِقْبَاضَ الْمَبِيعِ مِنْ لَوَازِمِ الْبَيْعِ فَإِذَا نَهَاهُ عَنْهُ بَطَلَ التَّوْكِيلُ فِي سَبَبِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهِ هَلْ يَكُونُ عَمَلُ الْوَكِيلِ مَقْصُورًا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْإِذْنُ أَوْ تَجُوزُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ إِلَى مَا أَدَّى إِلَيْهِ وَهُوَ مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَمَلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ إِلَّا بِهِ كَالْوَكَالَةِ فِي مُقَاسَمَةٍ فِي دَارٍ وَقَبْضِ الْحِصَّةِ مِنْهَا إِذَا جَحَدَ الشَّرِيكُ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ الْمُخَاصَمَةُ فِيهَا وَإِثْبَاتُ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ عَلَيْهَا؟ وَكَالْوَكَالَةِ فِي قَبْضِ دَيْنٍ إِذَا جَحَدَهُ الْمَطْلُوبُ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ مُخَاصَمَتُهُ وَإِثْبَاتُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ تَخْرِيجًا: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَقْصُودُ الْعَمَلِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ صَرِيحُ الْإِذْنِ لِأَنَّ مَا يُجَاوِزُهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيهِ فَشَابَهَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى الْعَمَلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ إِلَّا بِهِ فَصَارَ بِوَاجِبَاتِهِ أَشْبَهَ كَالْقِسْمِ الثاني والله أعلم.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوُكَلَاءِ وَلَا عَلَى الْأَوْصِيَاءِ وَلَا عَلَى الْمُودَعِينَ وَلَا عَلَى الْمُقَارِضِينَ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّوْا فَيَضْمَنُوا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَيْدِي فِي أَمْوَالِ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: - يَدٌ ضَامِنَةٌ وَيَدٌ أَمِينَةٌ وَيَدٌ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا هَلْ هِيَ ضَامِنَةٌ أَوْ أَمِينَةٌ. فَأَمَّا الْيَدُ الضَّامِنَةُ فَيَدُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسَاوِمِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَقْرِضِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُمْ ضَمَانُ مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ وَإِنْ كَانَ هَلَاكُهُ بِغَيْرِ تَعَدِّيهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ مُتَعَدٍّ بِيَدِهِ أَوْ مُعَارِضٍ عَلَى مَا فِي يَدِهِ.

وَأَمَّا الْيَدُ الْأَمِينَةُ فيه الْوَكِيلِ وَالْمَضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَتَعَدَّوْا وَيُفْرِطُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مُتَعَدٍّ بِيَدِهِ وَلَا مُعَاوِضٌ عَلَى غَيْرٍ وَأَمَّا الْيَدُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا قيد الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إِذَا هَلَكَ بِيَدِهِ مَا اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِيهِ وَلَا تَعَدٍّ عَلَيْهِ. فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا يَدٌ ضَامِنَةٌ يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا هَلَكَ فِيهَا كَالْمُسْتَعِيرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا يَدٌ أَمِينَةٌ لَا ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ فِيهَا كَالْمُودَعِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْوَكِيلُ أَمِينٌ فِيمَا بِيَدِهِ لِمُوَكِّلِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ هَلَكَ لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>