مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مُعْسِرًا لَمْ يَبْرَأِ الضَّامِنُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَازِمٌ. لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ دَيْنِ الْمَيِّتِ جَائِزٌ مَعَ إعساره فما رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمَا ضَمِنَا دَيْنَ مَيِّتَيْنَ امْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى جَنَائِزِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا وَفَاءً، وَلَوْ تَرَكَا وَفَاءً لَمْ يَمْتَنِعْ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا بَلْ قَدْ كَانَ الَّذِي ضَمِنَ علي رضي الله عنه. رجل مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلِأَخْبَرَ بِإِبْطَالِ الضَّمَانِ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ مَعَ يَسَارِهِ صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ مَعَ إِعْسَارِهِ كَالْحَيِّ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ إِذَا كَانَ حَيًّا صَحَّ ضَمَانُ دَيْنِهِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا، كَالْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي ضَمَانِ الدَّيْنِ عَنِ الْحَيِّ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي ضَمَانِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، أَصْلُهُ وُجُودُ عَيْنِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لَمْ يَكُنِ الْيَسَارُ بِهِ شَرْطًا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِدَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ محل، فهو أنه استدلال يدفع إِجْمَاعٌ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمَيِّتَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ يَلْقَاهُ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِوَضًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ سَقَطَ لَمَا اسْتُحِقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا حَاصِلًا كَانَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فَاسِدًا.
(فَصْلٌ)
لَا يَخْلُو حَالُ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ حَالًّا جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ الضَّامِنُ حَالًّا، وَجَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ مُؤَجَّلًا فَلَا يُسْتَحَقُّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ إِلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ الَّذِي ضَمِنَهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الضَّمَانِ إِلَّا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَيُطَالَبُ بِهِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حَالًّا وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ مُؤَجَّلَةً فِي حَالٍّ، وَلَا حَالَّةً فِي مُؤَجَّلٍ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُوجِبُ تَحَوُّلَ الْحَقِّ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ، وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ عَلَى مَا عُقِدَ بِهِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ الضَّامِنُ إِلَى أَجَلِهِ وَجَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ حَالًّا، وَلَا يُجْبَرُ الضَّامِنُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي ضَمَانِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُؤْخَذُ الضَّامِنُ بِتَعْجِيلِ مَا ضَمِنَهُ لِأَجْلِ شَرْطِهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ حَالَ الضَّامِنِ أَضْعَفُ مِنْ حَالِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إِنْ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ فَالضَّامِنُ أَوْلَى أَلَّا يَلْزَمَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيلَ لِلضَّامِنِ الْأَوْلَى لَكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا ضَمِنْتَ. لِتَفِيَ بِشَرْطِكَ، فَإِذَا أَبَيْتَ إِلَّا الْأَجَلَ الْمُسْتَحَقَّ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ اشْتِرَاطُكَ التَّعْجِيلَ زِيَادَةَ تَطَوُّعٍ مِنْكَ لَا تُلْزِمُكَ إِلَّا بِالْقَبْضِ.
فَلَوْ أَطْلَقَ الضَّامِنُ تَعْجِيلَ مَا ضَمِنَهُ أَوْ تَأْجِيلَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ فِي الْحُلُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute