[(باب شهادة القاذف)]
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إِلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي الْجُرْمَيْنِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي أَنَّهُ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِلْقَاذِفِ بِالزِّنَا حَالَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: إِنْ تَحَقَّقَ قَذْفُهُ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجْنَبِيَّةِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا وَإِمَّا بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الزِّنَا، وَتَحَقُّقُهُ فِي الزَّوْجَةِ يَكُونُ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِثَالِثٍ وَهُوَ اللِّعَانُ، فَإِذَا حَقَّقَ قَذْفَهُ بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ الْقَذْفِ فِي عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَأَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِقَذْفِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لا يحقق قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا تَصْدِيقٍ وَلَا لِعَانٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِقَذْفِهِ ثَلَاثُ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: وُجُوبُ الْحَدِّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.
وَالثَّانِي: فِسْقُهُ الْمُسْقِطُ لِعَدَالَتِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا مَا لَمْ يَتُبْ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ مَأْخُوذَةٌ نَصًّا مِنْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] وَيَكُونُ الْقَذْفُ هُوَ الْمُوجِبُ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْجَلْدِ، وَالْفِسْقِ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْجَلْدِ وَحْدَهُ، فَأَمَّا الْفِسْقُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْجَلْدِ دُونَ الْقَذْفِ، فَيَكُونُ عَلَى عَدَالَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُجْلَدْ، فَإِذَا جُلِدَ فُسِّقَ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَلْدِ مُتَعَرِّضٌ لِتَحْقِيقِ الْقَذْفِ وَسُقُوطِ الْجَلْدِ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمُ الْقَذْفِ إِلَّا بِالْجَلْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute