للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إِذَا علم أنه لا نسب بينهما ولا عداوة.

وَعَلَى تَعْلِيلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَإِنْ علم أنه لا نسب بينهما ولا عداوة.

فَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا فَهُوَ وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي التَّعْدِيلِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ رِضًا مَحْمُولٌ على التَّأْكِيدِ دُونَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْعَدْلَ رِضًا.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ بِأَنَّهُ رِضًا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّ التَّعْدِيلَ سَلَامَةٌ، وَالرِّضَا كَمَالٌ.

وَاسْتَزَادَ بَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْهُمْ فِي التَّعْدِيلِ أَنْ يَذْكُرَ الشُّهُودُ: " أَنَّهُ مَأْمُونٌ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ".

وَهَذَا تَأْكِيدٌ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعَدَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، فَلَمْ يَلْزَمْ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ نَذْكُرَ أَحْكَامَهَا، كَمَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا صِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَتَقْوَاهُ، وَتَحَرُّجَهُ.

فَهَذَا شَرْحُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ سُؤَالَ الشَّاهِدِ عَنْ أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ اسْتِظْهَارٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ سُؤَالَهُ عَنْ أَسْبَابِهَا وَاجِبٌ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلِ، مِنْ جَوَازِ الِاحْتِمَالِ فِي التَّعْدِيلِ، كَجَوَازِ الِاحْتِمَالِ فِي التَّفْسِيقِ.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الشَّاهِدُ مُؤَدِّيًا لِأَسْبَابِ التَّعْدِيلِ، وَالْقَاضِي هُوَ الْحَاكِمُ بِالْعَدَالَةِ وَتَكُونُ اسْتَزَادَتُهُ مِنَ الشُّهُودِ، أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ عَدْلٌ عَلَيَّ وَلِي اسْتِخْبَارًا عَنْ حُكْمِ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى سَبَبِهَا.

وَهَلْ يَكُونُ هَذَا الِاسْتِخْبَارُ لَازِمًا فِي حَقِّ الْحَاكِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الشَّاهِدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ [لِيَكُونَ حُكْمُهُ] ، بِالتَّعْدِيلِ عَلَى أَحْوَطِ الْأُمُورِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَسْبَابِ التَّعْدِيلِ تُغْنِي عَمَّا سِوَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(لَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إِلَّا من ذي المعرفة الباطنة)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " ثَمَّ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>