للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب التعزية وما يهيأ لأهل الميت]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ تَعْزِيَةَ أَهْلِ الْمَيِّتِ رَجَاءَ الْأَجْرِ بِتَعْزِيَتِهِمْ وَأَنْ يُخَصَّ بِهَا خِيَارُهُمْ وَضُعَفَاؤُهُمْ عَنِ احْتِمَالِ مصيبتهم ويعزى المسلم بموت أبيه النصراني فيقول " أعظم الله أجرك وأخلف عليك " ويقول في تعزية النصراني لقرابته " أخلف الله عليك ولا نقص عددك ".

وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ التَّعْزِيَةَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَالْتِمَاسًا لِلْأَجْرِ، فَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ".

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعْنَا هَاتِفًا فِي الْبَيْتِ يُسْمَعُ صَوْتُهُ، وَلَا يرى شخصه، ألا إن في الله عزا عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ ثِقُوا، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، فَقِيلَ هَذَا الْخَضِرُ جَاءَ يُعَزِّي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

فَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَقَرَابَتِهِ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَنْ شَيَّعَ الْجِنَازَةَ وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ قَبْلَ الدَّفْنِ عَزَّى وَانْصَرَفَ، وَمَنْ صَبَرَ حَتَّى يُدْفَنَ عَزَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ، إِلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِهِ جَزَعًا شَدِيدًا وَقِلَّةَ صَبْرٍ، فَتُقَدَّمُ تَعْزِيَتُهُمْ، لِيُسَلُّوا، وَيَخُصُّ التَّعْزِيَةَ أَقَلَّهُمْ صَبْرًا وَأَشَدَّهُمْ جَزَعًا، وَيَخُصُّ أَكْثَرَهُمْ فَضْلًا وَدِينًا، أَمَّا الْقَلِيلُ الصَّبْرِ فَلْيُسَلُّوا، وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْفَضْلِ، فَإِنَّمَا يُرْجَى مِنْ إِجَابَةِ رَدِّهِ وَدُعَائِهِ.

فَصْلٌ: القول في ألفاظ التعزية

فَأَمَّا أَلْفَاظُ التَّعْزِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَزَّى مُسْلِمًا عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَزَّى كَافِرًا عَلَى كَافِرٍ قَالَ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَيِّتَ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، أَمَّا الْخَيْرُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَدِّ عَنْ ذِي قَبْرٍ، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحَيَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>