نَخِيلِ خَيْبَرَ حِينَ فَتَحَهَا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَا تَقْتَضِي سُقُوطَ الْجِزْيَةِ.
وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا هَادَنَ قَوْمًا أَنْ يَكْتُبَ عَقْدَ الْهُدْنَةِ فِي كِتَابٍ يَشْهَدُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، لِيَشْمَلَ بِهِ الْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ وَذِمَّتِي، وَكَذَا فِي الْأَمَانِ: لَكُمْ أَمَانُ اللَّهِ، وَأَمَانُ رَسُولِهِ وَأَمَانِي، وَحَرَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا خُفِرَتِ الذِّمَّةُ، فَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُخْفَرَ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ لَكُمْ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْوَفَاءِ بِالذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ، فَلَمْ يَنْسُبْ إِلَيْهِمَا مَا تُخْفَرُ بِهِ ذِمَّتُهُمَا.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَرْجٍ عَلَى أَرَاضِيهِمْ يَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَضْمُونًا كَالْجِزْيَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يُصَالِحَ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى خَرَاجٍ يَضَعُهُ عَلَى أَرْضِهِمْ، يَسْتَوْفِيهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَكُونَ أَرْضُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ صَارَتْ بِهَذَا الصُّلْحِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَصَارُوا بِإِقْرَارِهِمْ فِيهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ لَا يُقَرُّونَ إِلَا بِجِزْيَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ الْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَرْضِهِمْ عَنْ جِزْيَةِ رؤوسهم؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ حَتَّى يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَجِزْيَةِ الرُّؤُوسِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَتْ عَنْهُمْ جِزْيَةُ رُؤُوسِهِمْ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ خَرَاجُ أَرْضِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَاقِيَةً عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَالْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهَا مَأْخُوذًا مِنْهُمْ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْعَقِدَ الشَّرْطُ عَلَى أَمَانِهِمْ مِنَّا، وَلَا يَنْعَقِدَ عَلَى ذَبِّنَا عَنْهُمْ، فَتَكُونُ أَرْضُهُمْ مَعَ هذا الشرط من جملة دار الحرب، ويكونوا فيها أهل عهد، ولا يكونوا أهل ذمة، ولا تؤخذ منهم جزية رؤوسهم؛ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيْقَتْصِرُ عَلَى أَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْهُمْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَيَكُونُ الْخَرَاجُ كَالصُّلْحِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَ بِجِزْيَةٍ.
فَإِنْ أَسْلَمُوا أَسْقَطَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ، وَصَارَتْ أَرْضُهُمْ أَرْضَ عُشْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ خَرَاجُ الْأَرْضِ بِإِسْلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِالصُّلْحِ أَرْضَ خَرَاجٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى الْعُشْرِ؛ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِهِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ بِالْكُفْرِ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ كَالْجِزْيَةِ.
وَاحْتِجَاجُهُ بِنُفُوذِ الْحُكْمِ فَنُفُوذُهُ مَقْصُورٌ عَلَى مُدَّةِ الْكُفْرِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَنْعَقِدَ الشَّرْطُ عَلَى أَمَانِهِمْ مِنَّا، وَذَبِّنَا عَنْهُمْ، فَقَدْ صَارَتْ