[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَا أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي مِنْ عرضٍ وَالْآخَرُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَّا فِي عرضٍ واحدٍ وعددٍ واحدٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فِيهِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّفَاضُلُ فِيهِ أَفْسَدَهُ.
وَمِنَ التَّفَاضُلِ اخْتِلَافُ الهدف في القرب والبعد، فيشرطا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَيَرْمِيَ الْآخَرُ مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِلتَّفَاضُلِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ قَوْسُ أَحَدِهِمَا عَرَبِيَّةً، يُصِيبُ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَقَوْسُ الْآخَرِ فَارِسِيَّةً يُصِيبُ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، فَشَرَطَا هَذَا التَّفَاضُلَ لِاخْتِلَافِ الْقَوْسَيْنِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَا الْخِيَارَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْسَيْنِ فَيَجُوزَ هَذَا التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَاوِيَ صَاحِبَهُ فِيهِ إِذَا عَدَلَ إِلَى قَوْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ؛ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا، وَيَرْمِي الْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا، فَيَمْنَعَ هَذَا التَّفَاضُلُ مِنْ جَوَازِ التَّنَاضُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَاوِيَ صَاحِبَهُ فِيهِ.
وَمِنَ التَّفَاضُلِ الْمَانِعِ أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُ الشَّنِّ فِي رَمْيِ أَحَدِهِمَا ذِرَاعًا، وَارْتِفَاعُهُ فِي رَمْيِ الْآخَرِ بَاعًا، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ.
وَمِنَ التَّفَاضُلِ الْمَانِعِ أَنْ تَكُونَ إِصَابَةُ أَحَدِهِمَا فِي الشَّنِّ وَإِصَابَةُ الْآخَرِ فِي الدَّارَةِ الَّتِي فِي الشَّنِّ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقَوْسَيْنِ، فَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خِيَارِهِمَا فِي الْأَمْرَيْنِ.
قال الشافعي: " وَلَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بقوسٍ أَوْ نبلٍ بأعيانها إن تغيرت لم يبدلهما ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى فَرْقُ مَا بَيْنَ السبق والرمي بأن المقصود فراهة القوسين مِنَ السَّبَقِ، وَالْمَقْصُودَ مِنَ الرَّمْيِ حَذْقُ الرَّامِيَيْنِ، فَصَارَ الْفَرَسُ فِي السَّبَقِ أَصْلًا، وَالرَّاكِبُ تَبَعًا، فَلَزِمَ تَعْيِينُ الْفَرَسِ، وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ، وَصَارَ الرَّامِي فِي النِّضَالِ أَصْلًا وَالْقَوْسُ تَبَعًا، فَلَزِمَ تَعْيِينُ الرَّامِي وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُ الْقَوْسِ، فَإِنْ أُسْقِطَ تَعْيِينُ مَا يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ مِنَ الْقَوْسِ فِي السَّبَقِ وَالرَّامِي فِي النِّضَالِ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ عُيِّنَ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُهُ مِنَ الرَّاكِبِ فِي السَّبَقِ أَنْ لَا يَرْكَبَ غَيْرُهُ، وَالْقَوْسُ فِي النِّضَالِ أَنْ لَا يَرْمِيَ عَنْ غَيْرِهَا، لَمْ يَتَعَيَّنِ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ أَصْلِهِ، وَنُظِرَ فِي التَّعْيِينِ، فَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَقَالَ: عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَ إِلَّا هَذَا الْفَارِسُ، وَعَلَى أَنْ لَا يَرْمِيَ إِلَّا عَنْ هَذِهِ الْقَوْسِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي السَّبَقِ وَالنِّضَالِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْقُودًا عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ لَازِمٍ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute