فَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى حَالِهِ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ: -
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الرَّقَبَةِ كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ.
فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمُقَامُ. وَيُمَكَّنُ الْمُصَالِحُ مِنْهُ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ. وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَتِهَا، لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ قَبْلَ عَقْدِهِ.
أَمَّا إِذَا ابْتَاعَهُ الْمُصَالِحُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ قَوْلًا وَاحِدًا. إِلَّا أَنَّ فِي قَبْضِهِ وَانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا الصُّلْحُ عَلَى حَالِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا قَدِ انْفَسَخَتْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ ابْتَاعَهَا بَطَلَ النِّكَاحُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْبَيْعِ الطَّارِئِ.
كَذَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ السَّالِفَةُ بِالْبَيْعِ الْحَادِثِ فَعَلَى هَذَا قَدْ بَطَلَ الصُّلْحُ وَمُلِكَ الْعَبْدُ بِالْبَيْعِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي صَالَحَ بِخِدْمَتِهِ فَعِتْقُهُ نَافِذٌ.
لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكًا تَامًّا فَلَمْ يُمْنَعِ اسْتِحْقَاقَ الْمَنْفَعَةِ كَعِتْقِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَعَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ خِدْمَةُ الْمُصَالَحِ بَاقِي السَّنَةِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ بِأُجْرَةِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّ نُفُوذَ عِتْقِهِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ مَنَافِعِهِ فَصَارَ كَالْآخِذِ لَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَ كَالْغَاصِبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عِتْقَ السَّيِّدِ أَزَالَ مَا كَانَ مَالِكًا لَهُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ، تِلْكَ السَّنَةَ لَمْ يَكُنِ السَّيِّدُ مَالِكًا لَهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حُكْمُ الْعِتْقِ بِهَا وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَبْدُ رُجُوعًا بِسَبَبِهَا كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ إِذَا عُتِقَتْ لَمْ تَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ عَلَى سَيِّدِهَا بِالْمَهْرِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا كَاتَبَهُ السَّيِّدُ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَمَلُّكِ كَسْبِهِ وَلَكِنْ لَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِصِفَةٍ.
فَأَمَّا إِذَا أَجَّرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُصَالَحِ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُسْتَحَقٌّ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مَا بَعْدَ السَّنَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ بِشَرْطِ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ.