للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّأْجِيلُ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهِ، وَالْحُلُولُ رُخْصَةٌ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحُلُولُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ فِيهِ وَالتَّأْجِيلُ رُخْصَةٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا وَجَوَازِ السَّلَمِ مَعَهُمَا وَلِهَذَا الْخِلَافُ تَأْثِيرٌ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهٌ تَعَالَى.

مَسْأَلَةٌ:

(قَالَ الْمُزَنِيُّ) قلت أنا وَالَّذِي اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ لَا يُسَلِّفَ جُزَافًا مِنْ ثِيَابٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا حتى يصفه بوزنه وسكته وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أَوْ أَسْوَدُ كَمَا يَصِفُ مَا أسلم فيه (قال المزني) قلت أنا فَقَدْ أَجَازَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنْ يَدْفَعَ سِلْعَتَهُ غَيْرَ مَكِيلَةٍ وَلَا مَوْزُونَةٍ فِي سَلَمٍ (قال المزني) وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي السَّلَمِ مُشَاهَدًا فَهَلْ يَلْزَمُ صِفَتُهُ جِنْسًا وَقَدْرًا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ صِفَةُ الثمن كما أن صحته صفة المثمن؛ ولأن عَقْدَ السَّلَمِ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّلَمِ فَيَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةُ بِثَمَنِهِ وَمَا اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِهِ لَمْ تُغْنِ مُشَاهَدَتُهُ عَنْ صِفَتِهِ كَالْقَرْضِ وَمَالِ الْقِرَاضِ لَمَّا اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِهِ افْتَقَرَ إِلَى صِفَةِ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ وَلَمْ تُغْنِ الْمُشَاهَدَةُ عَنْ صِفَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّ مُشَاهَدَةَ الثَّمَنِ فِي السَّلَمِ تُغْنِي عَنْ صفته.

لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ " فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَبَيَّنَهَا لَهُمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا كَمَا بَيَّنَ صِفَةَ السَّلَمِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ فِيهَا مُعَيَّنًا تَارَةً فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى الصِّفَةِ وَفِي الذِّمَّةِ تَارَةً فَيَفْتَقِرُ إِلَى الصِّفَةِ كَذَلِكَ السلم لما تعين فيه الثمن لم يفتقر إلى الصفة ولما لم يتعين فيه الثمن افْتَقَرَ إِلَى الصِّفَةِ فَهَذَا تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا افْتَقَرَ إِلَى الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الصِّفَةِ.

وَلَوْ قَلَبَ هَذَا عَلَى أبي حنيفة لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِ مَالِهِ مِثْلٌ أَسْهَلُ مِنَ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ صِفَةَ مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلُ مُسْتَحِقِّهِ لِيَعْلَمَ بِهَا الْقِيمَةَ وصفة ماله مثل غير مستحقه لأنه لا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقِيمَةِ فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالَهُ وَلَيْسَ إِلَّا وَاحِدٌ مِنَ الْقَوْلَيْنِ إِمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ الصِّفَةَ فِي كُلِّ الثَّمَنِ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ فِي كُلِّ الثَّمَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>