وَنَفَيْتُمُوهُ عَنِ الْآخَرِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ مُطْلَقَ عُرْفِ الْوَطْءِ يَنْتَفِي عَنْ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمْ يَحْنَثْ وَتَنْتَفِي عَنْهُ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنَ الْإِحْصَانِ وَكَمَالِ الْمَهْرِ وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ أَوْجَبَ الْغُسْلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَطْءُ الْحَيَّةِ، لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَطْءِ عُرْفًا يَنْطَلِقُ عَلَى وَطْئِهَا سِفَاحًا كَإِطْلَاقِهِ عَلَى وَطْئِهَا نِكَاحًا فَافْتَرَقَا.
فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ طَلَّقَ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا كَانَ مُولِيًا فِي الْبَاقِيَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ كَانَتِ الْبَاقِيَةُ مَحَلًّا لِلْإِيلَاءِ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ كَانَ مُولِيًا فِي الْبَاقِيَةِ إِنْ جَامَعَ مَنْ طَلَّقَهَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لو جامعها واللائي طُلِّقْنَ حَنِثَ، فَبَطَلَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ اعْتِرَاضُ الْمُزَنِيِّ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ تَكَلَّمَ عَلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِقْهُهَا لَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ أُصُولُهُ وَتَعْلِيلُهُ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهَا تأويله والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً منكن وَهُوَ يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ فَهُوَ مُولٍ يُوقَفُ لَهُنَّ فَأَيَّ وَاحِدَةٍ مَا أَصَابَ مِنْهُنَّ خَرَجَ مِنَ الْإِيلَاءِ فِي الْبَوَاقِي لِأَنَّهُ حَنِثَ بِإِصَابَةِ الَوَاحِدَةِ فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً لَمْ يَعُدِ الْحِنْثُ بِإِيلَاءِ ثَانِيَةٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَقُولَ لِلْأَرْبَعِ مِنْ نِسَائِهِ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَهُوَ يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ، وَلَا يُعَيِّنُ إِحْدَاهُنَّ، فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ مُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ أَيَّتَهُنَّ وَطِئَ حَنِثَ بِوَطْئِهَا كَمَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ وَاللَّهِ لا كلمت واحداً منكن، حَنِثَ بِكَلَامِ أَيِّهِمْ كَلَّمَ.
فَإِذَا أَجْرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الِابْتِدَاءِ حُكْمَ الْإِيلَاءِ فَأَيَّتُهُنَّ جَاءَتْ مُطَالِبَةً وُقِفَ لَهَا مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أو الطلاق فإذا طَلَّقَ ثُمَّ جَاءَتْ ثَانِيَةٌ وُقِفَ لَهَا، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فإن طَلَّقَ ثُمَّ جَاءَتْ ثَالِثَةٌ وُقِفَ لَهَا، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ ثُمَّ جَاءَتِ الرَّابِعَةُ وُقِفَ لَهَا، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُولِيًا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُوقَفُ لَهَا عَلَى الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى عِنْدَ مُطَالَبَتِهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَلَكِنْ فَاءَ مِنْهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ مِمَّنْ بَقِيَ، لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَطْئِهِنَّ بَعْدَ حِنْثِهِ بِوَطْءِ الْأُولَى، وَلَوْ طَلَّقَ الْأُولَى عِنْدَ انقضاء مدة الوقف ووطء الثَّانِيَةَ سَقَطَ إِيلَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَلَوْ وَطِئَ الثَّالِثَةَ سَقَطَ إِيلَاؤُهُ فِي الرَّابِعَةِ وَحْدَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute