للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَتِيقِ) {الحج: ٢٩) مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى البيت فوجب أن يكون التنكيس مانعاً مِنْ صِحَّتِهَا كَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا طَوَافٌ مُنَكَّسٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ فَاعِلَهُ كَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ مَكْرُوهٌ وَالْأَمْرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَكْرُوهَ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا أَعْدَادُ الطَّوَافِ فَسَبْعٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا، وَقَدْ رَوَى مَعْقِلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " السَّعْيُ وَالطَّوَافُ تَوٌّ " وَفِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّعْيَ وَالطَّوَافَ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ وتر غَيْرِ شَفَعٍ وَالتَّوُّ الْوِتْرُ.

وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالرَّمْيَ فِي الْحَجِّ وَاحِدٌ لَا يُثَنَّى فِي الْقِرَانِ وَهُوَ فِيهِ كَالْإِفْرَادِ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ إِتْمَامِ طَوَافِهِ كَانَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ لِإِتْمَامِ طَوَافِهِ، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ طَافَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ طَافَ أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ) {الحج: ٢٩) وبأن معظم الشي يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِ الشَّيْءِ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَانَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَهَذَا الْفِعْلُ مِنْهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَوَّفُوا بِالبَيْتِ الْعَتِيقِ} واستئناف نُسُكٍ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِهِ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ طَوَافٌ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ التَّحَلُّلُ، كَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ بِدَمٍ، فَوَجَبَ إِذَا تَرَكَهُ غَيْرُ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ بِدَمٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا طَافَ ثَلَاثًا وَتَرَكَ أَرْبَعًا.

فَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّنَا وَإِيَّاهُمْ نَعْدِلُ عَنْ ظَاهِرِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ مُعْظَمَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ ينقص بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَغَيْرِهَا، عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَقَدْ يَحْمِلُ عَنْهُ مَا فَاتَهُ فَلِذَلِكَ مَا اعْتَدَّ بِهِ وليس كذلك الطواف.

فَصْلٌ

: طَوَافُ الْمَاشِي أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ طَوَافِ الرَّاكِبِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طاف في عمرة كله مَاشِيًا، وَطَافَ فِي حَجِّهِ طَوَافَ الْقُدُومِ مَاشِيًا، وَإِنَّمَا طَافَ مَرَّةً فِي عُمْرَةٍ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رَاكِبًا وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ بِزِحَامِ مَرْكُوبِهِ وَلَا يُؤْمَنُ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ بِإِرْسَالِ بَوْلِهِ، فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَجْزَأَهُ مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَقَالَ أبو حنيفة: يُجْزِئُهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ، وَلِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَافَ رَاكِبًا مِنْ شَكْوَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>