للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب الطلاق بالوقت وطلاق المكره وغيره من كتاب إباحة الطلاق والإملاء وغيرهما)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَأَيُّ أَجَلٍ طَلَّقَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. الطَّلَاقُ يَقَعُ نَاجِزًا وَعَلَى صِفَةٍ، وَإِلَى أَجَلٍ، فَوُقُوعُهُ نَاجِزًا أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَتَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَوُقُوعُهُ عَلَى صِفَةٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، سَوَاءٌ بِصِفَةٍ مُضَافَةٍ إِلَيْهَا بِدُخُولِ الدَّارِ، أَوْ مُضَافَةٍ إِلَى غَيْرِهَا كَقُدُومِ زَيْدٍ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ بِأَجَلٍ فَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى بَعْدِ شَهْرٍ، أَوْ إِلَى سَنَةٍ، أَوْ رَأْسِ الشَّهْرِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ الطَّلَاقُ مُعَجَّلًا، اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ نِكَاحًا إِلَى مُدَّةٍ وَهَذَا بَاطِلٌ كَالْمُتْعَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ التَّحْرِيمِ إِلَى أَجَلٍ، يُوجِبُ تَعْجِيلَهُ كَالْمُكَاتَبَةِ لَمَّا أَوْجَبَتِ الْكِتَابَةُ تَحْرِيمَهَا بِالْعِتْقِ بَعْدَ الْأَدَاءِ، تُعَجِّلُ تَحْرِيمَهَا بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ بِشَرْطٍ، فَوَجَبَ أَن لَا يَقَعَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، قِيَاسًا عَلَى تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ زيد، فإن قبل فَمَوْتُ زَيْدٍ مَجْهُولُ الْأَجَلِ، قِيلَ إِذَا ثَبَتَ فيه لأجل الْمَجْهُولُ كَانَ ثُبُوتُ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ أَحَقَّ، وَلِأَنَّهُ إزالة ملك لو علق بأجل معلوم مَجْهُولٍ، لَمْ يَزُلْ قَبْلَهُ وَجَبَ، وَإِذَا عُلِّقَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَن لَا يَزُولَ قَبْلَهُ كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ أَجَلٌ لَوْ عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ، فَوَجَبَ إِذَا عُلِّقَ بِهِ الطَّلَاقُ أن لَا يَقَعَ قَبْلَهُ كَالْمَجْهُولِ، أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ إِلَى مُدَّةٍ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ النِّكَاحَ، عَقْدٌ يتَمنعُ فِيهِ دُخُولُ الْأَجَلِ، فَفَسَدَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَالطَّلَاقُ حَدٌّ لَا يَفْسَدُ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ، فَكَانَ أَوْلَى أن لا يَفْسَدَ بِالْأَجَلِ الْمَعْلُومِ، عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ مُبْطِلٌ لَهُ، فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مِثْلَهُ، لَكَانَ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ مُبْطِلًا لَهُ دُونَ النِّكَاحِ، وَمَالِكٌ يَجْعَلُهُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ دُونَ الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِبَارُ لَهَا، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا وَمَلَكَ الْمَالَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مِلْكِ الْمَالِ عَلَيْهَا وَمِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَالْخُلْعِ، وَخَالَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>