للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ".

فَخُصَّ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمُنْكِرُ بِالْيَمِينِ.

وَبِرِوَايَةِ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ، وَرَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا غَصَبَنِي أَرْضِي، وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي، وَقَالَ الْكِنْدِيُّ: أرضي وفي يدي، أزرعها لا حق له فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْحَضْرَمِيِّ: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ "، قَالَ: لَا، قَالَ: " لَكَ يَمِينُهُ "، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنَّهُ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي على ما حلف، إنه لا يتورع من شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْبَيِّنَةَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ حَقًّا، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِثْبَاتِ الدَّعْوَى، وَالْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِإِنْكَارِهَا، فَلَمَّا لَمْ تُنْقَلِ الْبَيِّنَةُ إِلَى نفي المنكر، وجب أن لا تنقل اليمين إِلَى إِثْبَاتِ الْمُدَّعِي.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُنْقَلَ إِلَى خَصْمِهِ كَالْبَيِّنَةِ.

وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ فِي الْبَيِّنَةِ يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِهَا كَالْيَمِينِ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ.

وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ لَمَا قُبِلَتْ فِيهِ يَمِينُ عَبْدٍ وَلَا فَاسِقٍ، وَفِي إِجَازَتِكُمْ لِيَمِينِ الْعَبْدِ وَالْفَاسِقِ مَا يَمْنَعُ أَنْ تَقُومَ اليمين مَقَامَ الشَّاهِدِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ يَمِينُهُ مَقَامَ شَاهِدٍ لَمَا تَرَتَّبَ بَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَتَرَتَّبَانِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي قَوْلِكُمْ: إِنَّ يَمِينَهُ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بَعْدَ الشَّاهِدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ.

(فَصْلٌ)

: وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ " فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ وَمُرْسَلٌ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>