وإن لم ينعقد البيع بينهما لما من ذلك في الْفَسَادِ وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مَعَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ نَصًّا.
وَخَالَفَ بَيْعُ الْمُزَايَدَةِ لِأَنَّ الْمُسَاوِمَ فِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ. وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وُكِّلَ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فِي مَكَانٍ، فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ من رجل وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِبَيْعِهِ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ مُسَامَحَتَهُ فِيهِ أَوْ تَمْلِيكَهُ إِيَّاهُ فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ تَمْلِيكُ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ فِي مَكَانٍ فَبَاعَهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ غَيْرَ وُفُورِ ثَمَنِهِ فَإِذَا حَصَلَ لَهُ فِي غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ. كَذَلِكَ فِي السَّوْمِ إِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْغَرَضَ وُفُورُ الثَّمَنِ دُونَ تَعْيِينِ الْمُلَّاكِ، وَفِي بَيْعِ الْمُنَاجَزَةِ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَعْيِينِ الْمُلَّاكِ.
وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ قَالَ: لَسْتُ أَرْضَى بِمَا بَذَلْتُهُ مِنَ الثَّمَنِ فَهَا هُنَا لَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الطَّالِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسُومَ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يُسَاوِمَ فِي السِّلْعَةِ بِمِثْلِ ثَمَنِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لِأَنَّ عَدَمَ الرِّضَا لَوْ مَنَعَ الْغَيْرَ مِنْ طَلَبِهَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَائِعِهَا.
وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَ الْمَالِكُ فَلَا يُجِيبُ بِرِضًا وَلَا بِكَرَاهَةٍ فَإِنْ كَانَ الْإِمْسَاكُ دَالًّا عَلَى الْكَرَاهَةِ بِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الْأَمَارَةِ لَمْ يَحْرُمِ السَّوْمُ. وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى الرِّضَا فَفِي تَحْرِيمِ السَّوْمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ حَرُمَ سَوْمُ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سُكُوتَ الرَّاضِي كَنُطْقِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ سَوْمَهَا جَائِزٌ مَا لَمْ يُصَرِّحِ الْمَالِكُ بِالرِّضَا وَالْإِجَابَةِ، لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ كِنَايَةٌ فَلَمْ تَقُمْ مَقَامَ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ إِلَّا فِيمَا خَصَّهُ الشَّرْعُ مِنْ إِذْنِ الْبِكْرِ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخْرِجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي خِطْبَةِ الزَّوْجِ إِذَا أَمْسَكَ الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِجَابَةِ وَالرَّدِّ. والله أعلم.
[مسألة:]
(قال المزني) وَكَذَلِكَ الْمُدَلِّسُ عَصَى اللَّهَ بِهِ وَالْبَيْعُ فِيهِ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ حَلَالٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) الثَّمَنُ حرام على المدلس.
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ التَّدْلِيسَ حَرَامٌ وَالثَّمَنَ حَلَالٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَازِمٌ كَمَا أَنَّ بَيْعَ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَرَامٌ وَالثَّمَنَ فِيهِ حَلَالٌ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ وَإِنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ ثَمَنَ التَّدْلِيسِ حَرَامٌ لَا ثَمَنَ الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا فَاتَ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ استحقاق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute