للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْأَكْلِ لَمْ يُبَدَّلْ فَكَانَ الْعُرْفُ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُعْتَبَرَ وَلِأَنَّ أُجْرَةَ الزَّادِ فِي الْعُرْفِ أقل من أجرة المتاع لما أسفرت بِهِ الْعَادَةُ مِنْ إِبْدَالِ الْمَتَاعِ دُونَ الزَّادِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِنْ كَانَتْ أَسْعَارُ الزَّادِ فِي الْمَنَازِلِ مُتَقَارِبَةً فِي الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ وَكَانَ انْقِطَاعُهُ مَأْمُونًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْدَالُهُ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي حَمْلِ زَادٍ إِلَى مَنْزِلٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى مِثْلِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ إِلَى مَنَازِلَ تَغْلُو فِيهَا أَثْمَانُ الزَّادِ فَيُبَدِّلُ مَا فَنِيَ مِنْهُ لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جارٍ بِهِ والقياس دال عليه والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكْتَرِيَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اكْتَرَى جَمَلًا مِنْ جَمَّالٍ لِيَرْكَبَهُ إِلَى مَكَّةَ أَوْ يَرْكَبَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوِ اكْتَرَاهُ لِحَمُولَةٍ فَهَرَبَ الْجَمَّالُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْجَمَلِ الْمُكْتَرَى مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَخْلُفَهُ مَعَ الرَّاكِبِ أَوْ يَهْرُبَ بِهِ مَعَهُ فَإِنْ خَلَفَهُ مَعَ الرَّاكِبِ فَلِلرَّاكِبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فِي رُكُوبِهِ إِلَى مَكَّةَ وَالْجَمَلُ لَا يَسْتَغْنِي فِي مُدَّةِ الرُّكُوبِ عَنْ خَادِمٍ وَعُلُوفَةٍ. وَذَلِكَ حَقٌّ لِلرَّاكِبِ عَلَى الْجَمَّالِ فَإِنْ وُجِدَ الرَّاكِبُ حَاكِمًا رَفَعَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْكُمَ فِي مَالِ الْجَمَّالِ إِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا بِأُجْرَةِ خَادِمٍ وَثَمَنِ عُلُوفَةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنَ الرَّاكِبِ قَدْرَ مَا يَصْرِفُهُ فِي أُجْرَةِ خَادِمٍ وَثَمَنِ عُلُوفَةٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْجَمَّالِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ مَتَى وَجَدَهُ أَوْ فِي مَالِهِ أَيْنَ وُجِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّرَ الْحَاكِمُ أُجْرَةَ الْخَادِمِ وَثَمَنَ الْعُلُوفَةِ لِيُسْقِطَ التَّنَازُعَ فَإِنْ أَنْفَقَ الرَّاكِبُ زِيَادَةً عَلَى تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْجَمَّالِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرِ الْحَاكِمُ أُجْرَةَ الْخَادِمِ وَثَمَنَ الْعُلُوفَةِ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَنَازِلِ جَازَ تَوَسُّطُ الرَّاكِبِ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ.

فَإِنِ اخْتَلَفَ الرَّاكِبُ وَالْجَمَّالُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ:

أَحَدُهَا: أَنَّ القول فيه قول الراكب المتفق لِأَنَّهُ أَمِينٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَمَّالِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ فِي عَلَفٍ مِثْلِهَا فَإِذَا وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الْجَمَّالِ أَوِ الرَّاكِبِ أَوْ خَالَفَهُمَا وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ الْمُوجِبَةِ لِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ فَقَدْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ إِذَا تَفَاحَشَ إِلَى مَا يَكُونُ عَدْلًا بَيْنَ النَّاسِ. فَأَمَّا إِنْ أَنْفَقَ الرَّاكِبُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَا اسْتِئْذَانِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَاكِمِ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ.

وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْحَاكِمِ أَوْ عَدِمَهُ فَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ بِالرُّجُوعِ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ أُشْهِدَ أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>