وَلِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَزِمَهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ، أَصْلُهُ إِذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ عَجَزَ عَنْ إِزَالَتِهَا بِالْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ تَطْهِيرِ الْحَدَثِ بِالتُّرَابِ وَالْمَاءِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَتَيْنِ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا شَرْطًا فِي أَدَاءِ الْأُخْرَى عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا لَمْ يَكُنِ الْعَجْزُ عَنِ الشَّرْطِ مُسْقِطًا فَرْضَ الْمَشْرُوطِ لَهَا كَالتَّوَجُّهِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ " فَهُوَ أَنَّ لَفْظَهُ وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ مَضَى الْأَمْرُ وَالْأَوَامِرُ تَتَوَجَّهُ إِلَى الْمُطِيقِ لَهَا، فَصَارَ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْمُرَادِ بِهِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَائِضِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهَا لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهَا فَرْضٌ لَمْ يَلْزَمْهَا فِعْلُهَا، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ الْمُحْدِثُ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَاجِدِ لِلْمَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهَا بِالطَّهَارَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْهَا.
(فَصْلٌ)
: إِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ فِي سَفَرِهِ مُقَامَ أَرْبَعٍ ثُمَّ عَدِمَ الْمَاءَ فِي مَقَامِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ وَقْتُ عَدَمِهِ فِي وطنٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي مِصْرٍ؛ لِأَنَّ الْأَوْطَانَ لَا تُبْنَى إِلَّا عَلَى مَاءٍ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ عَدَمِهِ فِي غَيْرِ وطن، فلا إعادة عليه والله أعلم.
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَلَا يَتَيَمَّمُ مريضٌ فِي شِتَاءٍ وَلَا صيفٍ إلا من به قرحٌ له غوراً وبه ضنىً من مرض يخاف أن يمسه الْمَاءُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ التَّلَفُ، أَوْ يَكُونَ مِنْهُ الْمَرَضُ الْمُخَوِّفُ لَا لِشَيْنٍ وَلَا لِإِبْطَاءِ برءٍ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَتَيَمَّمُ إِذَا خَافَ إِنْ مَسَّهُ الْمَاءُ شِدَّةَ الضَّنَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالْمَرَضُ هُوَ الْحَالُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى التَّيَمُّمَ فِيهَا، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمَرَضِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمَرَضِ إِلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) {المائدة: ٦) إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ شَرْطًا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ كَذَلِكَ فِي الْمَرَضِ.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - وَاسْمُهُ أَسْعَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ رَجُلًا فِي سريةٍ فَأَصَابَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute