الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الْأُمِّ) وَقَدْ رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَاشْتَرَيْتُ وَبِعْتُ حَتَّى رَبِحْتُ مَالًا، فَجِئْتُ أَنَسًا بِكِتَابَتِي كُلِّهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلَّا نُجُومًا، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ فَقَبِلَهَا.
وَرَوَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اشْتَرَتْهُ مِنْ سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَقَدِمَتْ مَكَّةَ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَأَدَّى عَامَّةَ الْمَالِ، ثُمَّ أَتَى بِبَاقِيهِ فَقَالَتْ لَا والله حتى تأتي سنة بعد سنة، وشهر بَعْدَ شَهْرٍ، فَخَرَجَ بِالْمَالِ إِلَى عُمَرَ، وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: ضَعْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرَاسِلْهَا بِأَخْذِ الْمَالِ وَعِتْقِ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنِ اخْتَرْتِ أَخْذَهُ شَهْرًا بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةً بِسَنَةٍ، فَافْعَلِي، فَأَرْسَلَتْ وَأَخَذَتِ الْمَالَ.
وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا عَلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، وَلِذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ بِدَيْنٍ زَادَ فِي الثَّمَنِ، وَإِذَا بَاعَهُ نَقْدًا نَقَصَ مِنْهُ، فَإِذَا عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَزَادَ خَيْرًا.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْجِيلِ مُفْتَتَنًا مُخَوَّفًا رُوعِيَ وَقْتُ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا آمِنًا ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُ خَوْفٌ فَعَجَّلَ فِيهِ الْكِتَابَةَ لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ قَبُولُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَظْرِ عَلَى مَا تَعَجَّلَ، حَتَّى إِذَا حَلَّ لَزِمَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْكِتَابَةِ مُفْتَتَنًا مُخَوَّفًا مِثْلَ وَقْتِ التَّعْجِيلِ نُظِرَ، فَإِنْ صَارَ ذَلِكَ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ قَبُولُ التَّعْجِيلِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا يُرْجَى زَوَالُهُ فَفِي لُزُومِ قَبُولِهِ لِلتَّعْجِيلِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، عَلَيْهِ قَبُولُهُ لِتَمَاثُلِ الزَّمَانَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لِأَنَّ زَوَالَ الْخَوْفِ قَدْ كَانَ مَأْمُولًا عِنْدَ الْمَحَلِّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَعَجُّلُ الضَّرَرِ.
وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ إِمَّا تَعْجِيلًا أو في محله، فإن كان لنقله مؤونة أَوْ فِي طَرِيقِهِ خَطَرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، إِلَّا فِي بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مؤونة وَلَا كَانَ فِي طَرِيقِهِ خَطَرٌ رُوعِيَ حَالُ السَّيِّدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ رُوعِيَتْ مَسَافَةُ الْبَلَدَيْنِ، فَإِنْ كان بينهما قَرِيبًا لَا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةَ فَفِي لُزُومِ قَبُولِهِ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فِي إِبْعَادِ مَالِهِ عَنْ بَلَدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute