وَأَنْكَرَ الْمُوجِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوجِي مَعَ يَمِينِهِ، والتوحية كَالتَّذْكِيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَسْتُمْ قُلْتُمْ: إِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى إِصَابَتِهِ أَنَّهُ بَيْنَ الْجَارِحِ وَالْمُوجِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمُوهُ فِي تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ عَلَى وَجْهَيْنِ.
قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ أَيْدِيَهُمَا فِي الِاتِّفَاقِ مُتَسَاوِيَانِ، وَفِي الِاخْتِلَافِ مُفْتَرِقَانِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمْ يَمْضِ مَعَ الِاتِّفَاقِ زَمَانُ الْإِثْبَاتِ، فَيُرَاعَى، وَقَدْ مَضَى مَعَ اخْتِلَافٍ فِي زَمَانِ الْإِثْبَاتِ، فَصَارَ مُرَاعًى.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الأول والثاني جارحاً غير موحٍ، فَلَا تَخْلُو جِرَاحُ الْأَوَّلِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُثْبِتَ الصَّيْدَ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُثْبِتَهُ بِهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشُكَّ فِي إِثْبَاتِهِ بِهَا.
فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ أَثْبَتَ الصَّيْدَ بِجِرَاحَتِهِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكْسِرَ رِجْلَ مَا يَعْدُو، وَجَنَاحَ مَا يَطِيرُ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِالْإِثْبَاتِ قَدْ صَارَ مَمْلُوكًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِمُثْبِتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إِلَى يَدِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي فَخِّهِ أَوْ شَبَكَتِهِ، وَإِنْ عَلِمْنَا أو الْأَوَّلَ لَمْ يُثْبِتْهُ بِجِرَاحَتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَاهُ بعد الجراحة يعدو أو يطير، وهو لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْإِثْبَاتِ بِجِرَاحَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكُلُّ واحدٍ مِنَ الْجُرْحَيْنِ قَدْ أَثَّرَ فِي إِثْبَاتِهِ، فَهَلَّا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ جرحا عبداً فمات فكان ضمانه عليها، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا.
قِيلَ: لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى فِي الصَّيْدِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْمِلْكِ، فَلَمْ تُوجِبِ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ، وَالْجِرَاحَةُ الْأُولَى فِي الْعَبْدِ مُؤَثِّرَةٌ فِي الضَّمَانِ، فَأَوْجَبَ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ، هَلْ أُثْبِتَ الصَّيْدُ بِهَا أَمْ لَا؟ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مُطْرَحًا وَالْيَقِينُ مُعْتَبَرًا فَيَكُونُ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الِاقْتِنَاعِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ مَا عَدَاهُ، وَيَتَيَقَّنَ الْإِثْبَاتَ مَعَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَصَارَ مِلْكُ الصَّيْدِ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي فِي حَالَتَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا فِيهِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، فَإِنْ جَعَلْنَا الصَّيْدَ مِلْكًا لِلثَّانِي؛ فَلَا ضَمَانَ فِي تَلَفِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا عَلَى الثَّانِي؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَهُ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَحَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ في حق نفسه، وإن جعلها الصَّيْدُ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِهِ، وَجُرْحِهِ الثَّانِي، فَسَرَتِ الْجِرَاحَةُ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ، فَقَدْ صَارَ مَوْتُهُ من جراحتين