للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَمْلِ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ وَاجْتَنَبَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَنْقَضِ بِالْحَيْضِ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً بِهِ وَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَادَةَ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهُنَّ الْحَيْضُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُهُ غِذَاءً لِلْجَنِينِ وَرُبَّمَا بَرَزَ الدَّمُ فِي حَالِ الْحَمْلِ إِمَّا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ غِذَاءِ الْجَنِينِ، وَإِمَّا لِضَعْفِ الْجَنِينِ عَنِ الاعتداء بِجَمِيعِهِ فَيَخْرُجُ فَاضِلُ الدَّمِ، وَيَكُونُ عَلَى صِفَةِ الْحَيْضِ وَقَدْرِهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، هَلْ يَكُونُ حَيْضًا تَجْتَنِبُ فِيهِ مَا تَجْتَنِبُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ أَوْ يَكُونُ دَمَ فَسَادٍ لَا حُكْمَ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيَكُونُ دَمَ فَسَادٍ لَا تُمْنَعُ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِتْيَانِ الزَّوْجِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وما تحيض الأَرْحَامُ} [الرعد: ٨] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيْضَ يَفِيضُ مَعَ الْحَمْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنَ الدَّمِ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ فَجَعَلَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَدَلَّ عَلَى تَنَافِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى الْحَمْلِ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَ عَلَى الْحَمْلِ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لَيْسَ بِدَالٍّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فلو حاضت لما دل عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْهُ وَلَكَانَتِ الْعِدَّةُ غَيْرَ مُقْتَضِيَةٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ وَاجْتِنَابِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ إِنَّ لِدَمِ الْحَيْضِ عَلَامَاتٍ وَأَمَارَاتٍ إِنَّهُ الْأَسْوَدُ الثَّخِينُ الْمُحْتَدِمُ فَأَمَّا إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا إِذَا وُجِدَتْ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَ وَالْحَمْلَ لَا يُنَافِي اجْتِمَاعُهُمَا سُنَّةً وَإِجْمَاعًا، وَاسْتِدْلَالًا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَلَمَّا رَأَتْ بَرِيقَ أَسَارِيرِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْتَ أَحَقُّ بِمَا قَالَهُ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ.

(وَمُبَرَّأٍ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ... وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغْيِلِ)

(وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل)

<<  <  ج: ص:  >  >>