وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْمَالَ كَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقَوَدَ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا اقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا كَالْخَطَأِ وَلَا غُرْمَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِالْجِنَايَةِ مُكْرَهًا عَلَيْهَا مَجْبُورًا عَلَى فِعْلِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْمَالِ فَيَكُونُ الْغُرْمُ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَسَائِرِ مَالِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَرْشَ جِنَايَتِهِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِكَوْنِ السَّيِّدِ جَانِيًا بِإِكْرَاهِ عَبْدِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُوجِبَ الْقَوَدَ فَيَكُونُ الْقَوَدُ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكْرَهِ الْقَوَدُ إِذَا كَانَ بَالِغًا أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَهَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ طَاعَةَ السَّيِّدِ فِي الْمَحْظُورِ لَا تَجُوزُ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي الْمَحْظُورَاتِ كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الجلب الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ الْمُعْتَقِدِ طَاعَةَ السَّيِّدِ فِيمَا أَمَرَهُ مِنْ مَحْظُورٍ أَوْ مُبَاحٍ فَالْجِنَايَةُ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السَّيِّدِ الْآمِرِ دُونَ الْعَبْدِ الْجَانِي - لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ صَارَ كَالْآلَةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ كَلْبٍ يُشْلِيهِ أَوْ سَهْمٍ يَرْمِيهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ عَلَى السَّيِّدِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْمَالَ فَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى السَّيِّدِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ. فَإِنْ أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِهَا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ فِيهَا وَيَكُونُ الْأَرْشُ وَاجِبًا فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ بِحَالِهِ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السَّيِّدِ وَجِنَايَاتُ السَّيِّدِ إِذَا أَعْسَرَ بِأَرْشِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ فِيهَا أَمْوَالُهُ الْمَرْهُونَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْأَرْشِ إِذَا كَانَ السَّيِّدُ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَنِ الْعَبْدِ صَدَرَتْ وَمِنْ فِعْلِهِ حَدَثَتْ وَإِنَّمَا غُلِبَ فِيهَا السَّيِّدُ لِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ فَأَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُبَاعَ فِيهَا الْجَانِي، فَإِذَا بِيعَ بَطَلَ الرَّهْنُ، فَإِنْ أَيْسَرَ السَّيِّدُ بِهَا فِيمَا بَعْدُ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ أَوْ قِصَاصًا مِنَ الْحَقِّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَالِغًا عَاقِلًا أَمَرَ صَبِيًّا صَغِيرًا بِقَتْلِ إِنْسَانٍ فَقَتَلَهُ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الرَّجُلِ الْآمِرِ دُونَ الصَّبِيِّ الْقَاتِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute