للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَعَادَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ فَقَطَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَمَاتَ، فَقَدْ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْأُخْرَى نِصْفُهَا فِي الرِّقِّ وَنِصْفُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ، لِاسْتِقْرَارِهَا فِيمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ، وَهُمَا فِي تَحَمُّلِهَا بِالسَّوِيَّةِ، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْجَانِي يُبْنَى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، إِذَا صَارَتْ نَفْسًا.

وَلَا يَتَقَسَّطُ الْأَرْشُ على أعداد الجرح، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جُرْحًا، وَالْآخَرُ عُشْرًا.

وَيَكُونُ لِمَالِكِ رِقِّهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَا بَلَغَتْ.

فَأَمَّا نِصْفُ الدِّيَةِ فَيَكُونُ مِنْهَا لِمُعْتِقِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رُبْعِ قِيمَتِهِ، أَوْ ثُمْنِ دِيَتِهِ، لِاسْتِقْرَارِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْجِنَايَةِ فِي نِصْفٍ بَعْدَ عِتْقِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِذَا فَقَأَ عَيْنَيْهِ فِي الرِّقِّ، وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِينَارٍ، ثُمَّ أُعْتِقَ كَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: هِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ إِذَا جَنَى وَاحِدٌ عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ، وَاثْنَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ، أَنَّهُ يُخْتَارُ مِنَ القَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي الرِّقِّ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِأَعْدَادِ الْجُنَاةِ تَمَسُّكًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَذِكْرَ الْآخَرِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ مَا تَكَرَّرَ وَنَفَيَ الْآخَرِ.

وَالثَّانِي: أَنْ قَالَ: لَمَّا كَانَ الزَّائِدُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يَعُودُ عَلَى السَّيِّدِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّاقِصُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الزَّائِدَ بِالْحُرِّيَّةِ حَادِثٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَالنَّاقِصَ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ فِعْلِهِ فَعَادَ عليه نقصه والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَعَلَى الْمُتَغَلِّبِ بِاللُّصُوصِيَّةِ وَالْمَأْمُورِ الْقَوَدُ إِذَا كَانَ قَاهِرًا لِلْمَأْمُورِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِ بِقَتْلِ نَفْسٍ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ إِمَامًا مُلْتَزَمَ الطَّاعَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَغَلِّبًا نَافِذَ الْأَمْرِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسَاوِيَ الْمَأْمُورَ، وَلَا يَعْلُوَ عَلَيْهِ بِطَاعَةٍ وَلَا قُدْرَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>