فَصْلٌ
فَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَسْتَمْتِعُ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ ".
وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إِذَا عَدَلَ عَنِ الْفَرْجَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ حَرَامٌ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاحَ الِاسْتِمْتَاعَ مِنْهَا بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ هُوَ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ وَلَيْسَ مِمَّا فَوْقَهُ فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُبَاحٌ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ المروزي، لأن تَحْرِيمَ وَطْءِ الْحَائِضِ لِأَجْلِ الْأَذَى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى مَكَانِ الْأَذَى وَهُوَ الْفَرْجُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَرُوِيَ أَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا تَوَقَّى الْجُحْرَيْنِ فَلَا بَأْسَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَسْتَمْتِعُ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ " مَحْمُولًا عَلَى مَا دُونُ الْفَرْجِ، وَيَكُونُ الْإِزَارُ كِنَايَةً عَنِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ مَحَلَّ الْإِزَارِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
(قومٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ)
أَيْ شَدُّوا فُرُوجَهُمْ وَخَرَّجَ أَبُو الْفَيَّاضِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا ثَالِثًا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَاهِرًا لِنَفْسِهِ يَأْمَنُ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ فَيَطَأُ فِي الْفَرْجِ جَازَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا دُونَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ نَفْسَهُ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ فَيَطَأُ فِي الْفَرْجِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا دُونَهُ إِلَّا مِنْ وراء الإزار.
[مسألة]
قال الشافعي: " فإذا تطهرن يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ الطَّهَارَةَ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصلاة الغسل أو التيمم (قال) وفي تحريمها لأذى المحيض كالدلالة على تحريم الدبر لأن أذاه لا ينقطع ".
قال الماوردي: أما ما دام الحي باقياً فوطئها فِي الْفَرْجِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ حَيْضِهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ وَطْأَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ إِنْ كَانَتْ عَادِمَةً لِلْمَاءِ.
وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ: وَطْؤُهَا حَرَامٌ حَتَّى تَتَوَضَّأَ فَتَحِلُّ.
وَقَالَ أبو حنيفة: قد حل وطئها إن لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِمَا أَغْنَى.