لِأَنَّنَا نُرَاعِي فِيمَا يُقَسِّمُهُ رَبُّ الْمَالِ الْجِوَارَ وَفِيمَا يُقَسِّمُهُ الْعَامِلُ النَّاحِيَةَ، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ مِصْرِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَانَ جَمِيعُ أَهْلِهِ جِيرَانَهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ فِيهِ أَجَانِبَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ جَمِيعُهُمْ أَقَارِبَ لَهُ فَجَمِيعُهُمْ سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقَارِبَ لِرَبِّ الْمَالِ وَبَعْضُهُمْ أَجَانِبَ مِنْهُ كَانَ أَقَارِبُهُ أَوْلَى بِزَكَاتِهِ مِنَ الْأَجَانِبِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ " يَعْنِي المعادي، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَدَقَتُكَ عَلَى غَيْرِ ذِي رَحِمِكَ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي رَحِمِكَ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ " فَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ أَقَارِبِهِ إِلَى الْأَجَانِبِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقَارِبِ مِنِ طَرِيقِ الْأَوْلَى مَعَ اشْتِرَاكِ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ كَبِيرًا وَاسِعًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يراعى فيه الجوار الخاص والجوار الْعَامُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ الْجِوَارُ الْخَاصُّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جِيرَانُهُ مَنْ أُضِيفَ إِلَى مَكَانِهِ مِنَ الْبَلَدِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ إلى أربعين دار من داره، ولا يكون جميع أَهْلُ الْبَلَدِ جِيرَانَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْجِوَارُ الْعَامُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {والجار ذي القربى والجار الجنب} [النساء: آية ٣٦] يَعْنِي الْبَعِيدَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ جِيرَانَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنْ فَرَّقَهَا فِي غَيْرِ جِيرَانِهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ كَانَ نَاقِلًا لِزَكَاتِهِ عَنْ مَحَلِّهَا، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَكُونُ نَاقِلًا لَهَا وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.
فَصْلٌ:
وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ بَدَوِيًّا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَلَّةٍ قَاطِنًا بِمَكَانِهَا لَا يَظْعَنُ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، فَهِيَ كَالْبَلَدِ وَجَمِيعُهَا جِيرَانٌ سَوَاءً صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْلُغُ وَإِنْ كَبُرَتْ مَبْلَغَ كِبَارِ الْأَمْصَارِ فَيَخُصُّ مِنْهُمْ أَقَارِبَهُ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُمْ إلى الأجانب أجزأ، وَلَا يَكُونُ مَنْ فَارَقَ الْحَلَّةَ جَارًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ جَارٌ لِلْحَلَّةِ، وَالْوَاحِدُ مِنَ الْحَلَّةِ جِيرَانُهُ أَهْلُ الْحَلَّةِ، فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي حَلَّةٍ يَنْجَعُ الْكَلَأَ وَيَظْعَنُ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute