للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِذَلِكَ لَمْ يَحُدَّهُ سِنٌّ مُقَدَّرَةٌ، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ إِلَيْهَا.

فَإِنْ طَلَبَ تَسْلِيمَهَا إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِحَضَانَتِهَا وَتَرْبِيَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهَا، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الذي يُخْلَقْ فِيهَا، فَيَسْتَحِقَّهُ الزَّوْجُ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا، فَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى تَلَفِهَا وَنِكَايَتِهَا.

فَلَوْ سَأَلَهُ وَلِيُّهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَمْ يُخْلَقْ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَرْبِيَةٍ وَحَضَانَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا، وَلِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ لَهَا نَفَقَةً لا يقابلها الاستمتاع، والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَالصَّدَاقُ كَالدَّيْنِ سواءٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَكَانَ دَيْنًا كَالْأَثْمَانِ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ كَالدَّيْنِ فِي لُزُومِهِ فِي الذِّمَّةِ كَلُزُومِ الدَّيْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَالًّا تَارَةً، وَمُؤَجَّلًا تَارَةً، وَمُنَجَّمًا أُخْرَى، وَأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَوْثَقَ فِيهِ بِالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ، وَالشَّهَادَةِ، وَأَنَّ الْحَوَالَةَ بِهِ جَائِزَةٌ، وَأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ سَائِغٌ، وَأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُبْتَاعَ فِيهِ الْعَقَارُ، وَأَنَّ الزَّوْجَ يُحْبَسُ بِهِ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَأَنَّ الزَّوْجَةَ تَضْرِبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ فَلَسِهِ، وَتَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى غَيْرِ ذلك من أحكام الديون المستحقة.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُ صَدَاقِهَا وَلَا نَفَقَتِهَا حَتَّى تَكُونَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَيُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ النَّفَقَاتِ ذَكَرَهَا لِاتِّصَالِهَا بِالصَّدَاقِ، وَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ الزَّوْجَيْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَبِيرًا وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةً.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ صَغِيرًا وَالزَّوْجَةُ كَبِيرَةً.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ: أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ: فَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا عَلَى قَبْضِ الصَّدَاقِ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ لِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، فَأَيُّهُمَا سَلَّمَ مَا فِي ذِمَّتِهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ، وَإِنْ أَقَامَا عَلَى التَّمَانُعِ فَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ مِنْ بَعْدُ.

وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>