للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَدَرًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ الْجَنِينِ أَقَلُّ مِمَّا فِي الْجَنِينِ وَلَا يَكُونُ هَدَرًا، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُجُوبَ الْغُرْمِ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ بَيَانِ خَلْقِهِ حُرْمَةٌ فَكَانَ هَذَا كَالنُّطْفَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ بَيْنَ مَبَادِئِ خَلْقِهِ وَبَيْنَ غَايَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالَتَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ هَدَرًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُولَى مِنْ حَالَتَيْهِ قَبْلَ بَيَانِ الْخَلْقِ هَدَرًا، وَفِي هذين دليل وانفصال.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَنِينِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: وُجُوبُ الْغُرَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَصِيرَ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعُدَّةُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الْإِنْسَانِ فِي مَبَادِئِ خَلْقِهِ إِلَى اسْتِكْمَالِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: ١٢] .

وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ آدَمَ وَحْدَهُ اسْتُلَّ مِنْ طِينٍ وَهُوَ الْمَخْصُوصُ بِخَلْقِهِ مِنْهُ قَالَهُ قَتَادَةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ إِنْسَانٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى آدَمَ الَّذِي خُلِقَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

وَفِي السُّلَالَةِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الصَّفْوَةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْقَلِيلُ الَّذِي يَنْسَلُّ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَالَةً ثَانِيَةً فِي الْوَلَدِ فقال تعالى {ثم خلقناه نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: ١٣] يَعْنِي بِهِ ذُرِّيَّةَ آدَمَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ تَنَاسُلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْ نُطْفَةِ التَّنَاسُلِ، وَالنُّطْفَةُ هِيَ مَاءُ الذَّكَرِ الَّذِي يُعلقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ.

وقوله تعالى: {في قرار} يعني به الرحم {مكين} لِاسْتِقْرَارِهِ فِيهِ، فَصَارَتِ النُّطْفَةُ فِي أَوَّلِ مَبَادِئَ خَلْقِهِ كَالْغَرْسِ، وَالرَّحِمُ فِي إِنْشَائِهِ كَالْأَرْضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>