للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَقْسَمَ الْوَلِيُّ الْمُدَّعِي وَقُلْنَا: تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ بِالْحِصَّةِ حَلَفَ الثَّالِثُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا هِيَ ثُلُثُهَا بَعْدَ جَبْرِ كَسْرِهَا لِأَنَّهُ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ لَوِ اجْتَمَعُوا لَكَانَتْ حِصَّتُهُ مِنَ الْخَمْسِينَ ثُلُثَهَا هَذَا حُكْمُهُ إِذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي عَدَدَ الشُّرَكَاءِ فِي الْقَتْلِ.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُذْكُرْ عَدَدَهُمْ، لَمْ تَخْلُ دَعْوَاهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي خَطَأٍ، لَمْ تَكُنْ لَهُ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِنْ شَارَكَ وَاحِدًا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عُشْرَهَا، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يُوجِبُ الْقَوَدَ فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا قَوَدَ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ، فَلَا قَسَامَةَ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الدِّيَةُ وَقَدْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْهَا مَجْهُولٌ كَالْخَطَأِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ فَفِي جَوَازِ الْقَسَامَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَجُوزُ وَيُقْسِمُ بِهَا الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْقَوَدَ اسْتُحِقَّ عَلَى الْوَاحِدِ إِذَا انْفَرَدَ كَاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ فِي مُشَارَكَةِ الْعَدَدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْفُو عَنِ الْقَوَدِ إِلَى الدِّيَةِ فَلَا يَعْلَمُ قَدْرَ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْهَا وَالْحُكْمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا بِمَا يَنْفَصِلُ بِهِ التَّنَازُعُ.

(فَصْلٌ)

وَإِذْ قَدْ مَضَتِ الدَّعْوَى فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي الدَّعْوَى فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنِ الْخَطَأِ هَلْ كَانَ مَحْضًا أَوْ شِبْهَ الْعَمْدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ قَالَ شِبْهُ الْعَمْدِ، سَأَلَهُ عَنْ صِفَتِهِ كَمَا يَسْأَلُهُ عَنْ صِفَةِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ مَحْضُ الْخَطَأِ بِالْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، ثُمَّ يَعْمَلُ عَلَى صِفَتِهِ دُونَ دَعْوَاهُ.

فَإِنْ كَانَ مَا وَصَفَهُ شِبْهَ الْعَمْدِ، غَلُظَتْ فِيهِ الدِّيَةُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا وَصَفَهُ خَطَأً مَحْضًا خُفِّفَتْ فِيهِ الدِّيَةُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مُخَالَفَةُ صِفَتِهِ لِدَعْوَاهُ مِنْ جَوَازِ الْقَسَامَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الدِّيَةِ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي زِيَادَتِهَا فِي دَعْوَاهُ بِالتَّغْلِيظِ وَنُقْصَانِهَا فِي صِفَتِهَا بِالتَّخْفِيفِ فَصَارَ فِي الصِّفَةِ كَالْمُبْدِئِ فِي بَعْضِ الدَّعْوَى.

وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الْقَسَامَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ ادَّعَى قَتْلَ خَطَأٍ مَحْضِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ صِفَةِ الْخَطَأِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَنْ صِفَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْخَطَأَ أقل أحوال القتل وإنما يلزم

<<  <  ج: ص:  >  >>