وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى، إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْوَلِيُّ شُهُودَهُ وَلَا تُسْمَعُ إِذَا عَرَفَهُمْ بَعْدَ الدَّعْوَى.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْجُمْهُورِ إِنَّهَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ خَاصَّةً، وَلَا تُسْمَعُ فِي غَيْرِ الدِّمَاءِ، إِلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِتَغْلِيظِ الدِّمَاءِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْحُقُوقِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَقْتُولِ يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ فَجَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي سَمَاعِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ دَعْوَى أَوْلِيَائِهِ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَسْمَعَهَا فِي دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَلَا يَسْمَعَهَا فِي دُيُونِ الْحَيِّ، وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَسْمَعُهَا فِي دُيُونِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يُتَأَوَّلُ، اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ الشُّهَدَاءِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ) ، إِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُشْهَدُ فِيهِ قَبْلَ سَمَاعِ الدَّعْوَى.
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " شَرُّ الشُّهَدَاءِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ) مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَا يُشْهَدُ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا زَيْدًا، وَشَهِدَ الرجلين الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا أَنِّ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ قتلا زيداً، فللولي حالتان:
أحدهما: أَنْ تَصِحَّ مِنْهُ الدَّعْوَى.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَصِحَّ مِنْهُ، فَإِنْ صَحَّتْ مِنْهُ الدَّعْوَى لِبُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ، سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَمَّا يَدَّعِيهِ مِنَ الْقَتْلِ عَلَى مَنْ يُعَيِّنُهُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ فِي ذلك على ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يدعيه على الآخرين الذين شهد عليهما الأولاد فَتَكُونُ شَهَادَةُ الْأَوَّلَيْنِ عَلَيْهِمَا مَاضِيَةً وَيُحْكَمُ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْآخِرَيْنِ بِالْقَتْلِ لِسَلَامَةِ الْأَوَّلَيْنِ عِنْدَ شَهَادَتِهِمَا وَتُهْمَةِ الْآخَرَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَسْتَعِيدَ الشَّهَادَةَ مِنْهُمَا بَعْدَ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لا يستعيدها، ويحكم بما تقدم من شاهدتهما، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعِيدُ بِهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ اسْتِعَادَتُهُمَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ سَابِقًا لِلدَّعْوَى.