وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُكْرَهِ لِبَقَاءِ وَقْتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ، والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " ولو حلف ليقضينه حقه لوقتٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ قبل يَشَاءُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فلانٌ فَمَاتَ فلانٌ الَّذِي جَعَلَ الْمَشِيَئَةَ إِلَيْهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) هَذَا غلطٌ لَيْسَ فِي مَوْتِهِ مَا يَمْنَعُ إِمْكَانَ بِرِّهِ وَأَصْلُ قَوْلِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ الْبِرُّ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَى فَاتَهُ الْإِمْكَانُ أَنَّهُ يحنث وقد قال لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ إِلَّا بِإِذْنِ فلانٍ فَمَاتَ الَّذِي جَعَلَ الْإِذْنَ إِلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ دخلها حنث (قال المزني) وهذا وذاك سواءٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ جَمَعَ الْمُزَنِيُّ بَيْنَهُمَا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ قَبْلَ شَرْحِهِمَا مَسْأَلَتَيْنِ لِيَكُونَا أَصْلًا يَتَمَهَّدُ بِهِ جَوَابُ مَسَائِلِهِمْ، فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ أَرْبَعًا: فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ، وَلَا يُعَيِّنُ لِلْقَضَاءِ وَقْتًا، فَيَكُونُ بِرُّهُ مُعْتَبَرًا بِقَضَائِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْغَرِيمِ وَصَاحِبِ الْحَقِّ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ وَبِعِيدِهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْيَمِينِ يَتَنَاوَلُ مُدَّةَ الْحَيَاةِ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ قَبْلَ قَضَائِهِ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْغَرِيمُ الْحَالِفُ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَنِثَ أَيْضًا فَيَقَعُ الْحِنْثُ بِمَوْتِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِحُدُوثِ الْمَوْتِ مَعَ إِمْكَانِ الْبِرِّ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْلِفَ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ، فَيَجْعَلَ لِلْقَضَاءِ وَقْتًا، فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إِلَّا بِقَضَائِهِ فِيهِ، فَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ حَنِثَ، فَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ لَمْ يَحْنَثْ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَوْتِهِ قَبْلَ إِمْكَانِ بِرِّهِ، وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ فَفِي حِنْثِ الْحَالِفِ قَوْلَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ لِيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا، فَهَلَكَ الطَّعَامُ الْيَوْمَ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، لَا يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إِطْلَاقِ الْيَمِينِ، فَيَحْنَثُ بِمَوْتِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا، وَبَيْنَ تَقْيِيدِهَا بِوَقْتٍ فَلَا يَحْنَثُ بِمَوْتِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ الْوَقْتِ هُوَ إِمْكَانُ الْبِرِّ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَتَعَذُّرُ إِمْكَانِهِ مَعَ التَّوْقِيتِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ أُولَى الْمَنْصُوصَيْنِ أن يحلف ليقضينه حقه في يوم الجمعة، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَبِرُّهُ مُعْتَبَرٌ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ إِمَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ إِلَّا أَنَّ مَشِيئَةَ تَأْخِيرِهِ حلٌ لِيَمِينِهِ وَالْقَضَاءُ بِرٌّ فِي يَمِينِهِ فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ لم يَحْنَث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute