للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ إِلَّا بِهَا، فَإِذَا شَرَعَ فِي قِتَالِهِ تَوَصَّلَ بِالْقِتَالِ إِلَى أَخْذِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبَاحَةُ مِنْ طَعَامِهِ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُقَاتِلُهُ إِلَى أَنْ يَصِلَ أَخْذِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ، فَإِنْ قَاتَلَهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى إِمْسَاكِ الرَّمَقِ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقَاتِلُهُ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى قَدْرِ الشِّبَعِ، وَيَكُونُ الْقِتَالُ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى إِمْسَاكِ الرَّمَقِ مُبَاحًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَجْهًا وَاحِدًا، وَقِتَالُهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى قَدْرِ الشِّبَعِ عُدْوَانٌ.

فَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِالْقِتَالِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ طَعَامِهِ حَتَّى تَلِفَ أَحَدُهُمَا، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ التَّالِفُ رَبَّ الطَّعَامِ كَانَتْ نَفْسُهُ هَدْرًا لَا تُضْمَنُ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ بِحَقٍّ، كَمَنْ طَلَبَ نَفْسَ إِنْسَانٍ، فَقَتَلَهُ الْمَطْلُوبُ دَفَعًا كَانَتْ نَفْسُهُ هَدْرًا، وَإِنْ كَانَ التَّالِفُ الْمُضْطَرَّ كَانَتْ نَفْسُهُ مَضْمُونَةً عَلَى رَبِّ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا، ثُمَّ نُظِرَ فَإِنْ عَلِمَ رَبُّ الطَّعَامِ بِضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ ضَمِنَهُ بِالْقَوَدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِضَرُورَتِهِ ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا عَامِدٌ، وَمَعَ الْجَهْلِ بِهَا خَاطِئٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ محرمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَوْ قيل يأكل الصيد ويفتدي كان مذهباً (قال المزني) رحمه الله الصيد محرمٌ لغيره وهو الإحرام ومباحٌ لغير محرمٍ والميتة محرمةٌ لعينها لا لغيرها على كل حلالٍ وحرامٍ فهي أغلظ تحريماً فإحياء نفسه بترك الأغلظ وتناول الأيسر أولى به من ركوب الأغلظ وبالله التوفيق ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُذْكَرَ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْمُضْطَرُّ مِنْ أَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ إِذَا انْفَرَدَتْ ثُمَّ يُذْكَرُ حُكْمُهَا فِي حَقِّهِ إِذَا اجْتَمَعَتْ، فَإِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَيْدًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ حَلَّ لَهُ أَكْلُ الصَّيْدِ، لِضَرُورَتِهِ فِي إِحْيَاءِ نَفْسِهِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي يَسْتَبِيحُ أَكْلَهَا بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ إِذَا أَكَلَ الصَّيْدَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ، وَلَيْسَتْ فِي الصَّيْدِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا الْعَامِدُ وَالْخَاطِئُ، وَفِي قَدْرِ مَا تَسْتَبِيحُهُ مِنْ أَكْلِهِ قَوْلَانِ كَالْمَيْتَةِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْرُ إِمْسَاكِ الرَّمَقِ.

وَالثَّانِي: قَدْرُ الشِّبَعِ، وَلَوْ كَانَ مَا وَجَدَهُ الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ صَيْدًا مَقْتُولًا أَكَلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَضْمَنْهُ بِالْجَزَاءِ سَوَاءٌ ضَمِنَهْ قَاتِلُهُ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَتْلِ دُونَ الْأَكْلِ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ ضَامِنٍ لِجَزَائِهِ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ قَاتِلَ الصَّيْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>