وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ طَلَاقُهَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا، فِي تَزْوِيجِ الِابْنِ جَارِيَةَ الْأَبِ، فَقَالَ لَهَا الْأَبُ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ لَهَا الِابْنُ: إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ الْأَبُ نُظِرَ، فَإِنْ مَاتَ وَقِيمَتُهَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، عَتَقَتْ عَلَى الْأَبِ، وَطُلِّقَتْ عَلَى الِابْنِ، لِأَنَّ عِتْقَ الْأَبِ لَهَا يَمْنَعُ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ لَهَا، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ مَعًا. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهَا وَيَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ ثُلُثِهِ، لَمْ تَعْتِقْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ مَرْدُودٌ، فَطَلَاقُهَا عَلَى الِابْنِ مُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا، هَلْ يَمْلِكُهَا الِابْنُ إِذَا أَحَاطَ بِهَا دَيْنُ الْأَبِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يَمْلِكُهَا الِابْنُ، فَعَلَى هَذَا تُطَلَّقُ، وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ قَدْ مَلَكَهَا الِابْنُ، فَعَلَى هَذَا فِي طَلَاقِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: لَا تُطَلَّقُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ: تطلق.
[(فصل: في الشرط والجزاء)]
إِذَا قَالَ: إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ طلاق معلق بشرط لا يقع إلا بوجود، وَالشَّرْطُ دُخُولُ الدَّارِ، وَالْجَزَاءُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَمَتَى دَخَلَتِ الدَّارَ طُلِّقَتْ، وَلَا تُطَلَّقُ إِنْ لَمْ تَدْخُلْ.
فَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرُهُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، وَإِنْ أَسْقَطَ فَاءَ الْجَزَاءِ فَلَا تُطَلَّقُ إِلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَوْ قَالَ: أردت به الطلاق في الحال، فقولي: أَنْتِ طَالِقٌ حُمِلَ عَلَى إِرَادَتِهِ، لِأَنَّهُ أَضَرَّ به، ويحلف في الحال ولم يطلق بِدُخُولِ الدَّارِ.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، احْتَمَلَ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الشَّرْطَ وَيُضْمِرَ الْجَزَاءَ فِي نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا أَرَادَ، لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُهُ، فَلَا تُطَلَّقُ هِيَ بِدُخُولِ الدَّارِ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ أُحْلِفُ لَهَا.
الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ، فَيَكُونَ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيَكُونَ عَلَى مَا أَرَادَ شَرْطًا وَجَزَاءً وَتَقُومُ الْوَاوُ مَقَامَ الْفَاءِ، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ طُلِّقَتْ فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ وَذَكَرَتْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمَا جَمِيعًا الشَّرْطَ لَمْ يَحْلِفْ لَهَا، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ الْمُعَجَّلَ أُحْلِفُ لَهَا.
وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ: أَنْ يُرِيدَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ فَتُطَلَّقَ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّارِ صِلَةً لَا شَرْطًا، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ لَمْ يَحْلِفْ لَهَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ، كَانَ