للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابَةِ الْقُرْبَةَ وَالْبَرَّ فَخَفَّ حُكْمُهَا.

وَالْمَقْصُودُ بِالْبَيْعِ الرِّبْحُ وَالْمُغَابَنَةُ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ كَنُفُوذِهِ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ بالبيع الفاسد فانتقاله بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَافْتَرَقَا لِخِفَّةِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَتَغْلِيظِ حُكْمِ الْبَيْعِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كِتَابَتَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا: بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ فِيهِمْ كَانَتِ الْمِائَةُ دَنَانِيرَ مُقَسَّطَةً بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ يَوْمَ كُوتِبُوا لِأَنَّهُمْ بِالْكِتَابَةِ خَرَجُوا عَنْ تَصَرُّفِ السَّيِّدِ وَتَصَرَّفُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُمْ وَقْتَ الْكِتَابَةِ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ قِيمَةَ أَحَدِهِمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَقِيمَةَ الْآخَرِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَقِيمَةَ الثَّالِثِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ كَانَتِ الْمِائَةُ دِينَارٍ مُقَسَّطَةً عَلَى سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ سُدُسُهَا وَعَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ثُلُثُهَا وَعَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُهَا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَأْخُوذًا بِالْقَدْرِ الَّذِي تُقَسَّطُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا عَلَى صَاحِبِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ ضَمَانُ مَا عَلَى الْآخَرِينَ، لِأَنَّ كِتَابَتَهُمْ وَاحِدَةٌ فَاشْتَرَكُوا فِي الْتِزَامِهَا وَضَمَانِ مَالِهَا وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَأْخُوذًا بِجَمِيعِهَا. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ على البتياع لم يلزم الضمان في الاجتماع على الكناية كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى الِابْتِيَاعِ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمِ الضَّمَانُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الِابْتِيَاعِ لَمْ يَلْزَمِ الضَّمَانُ فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِذَا اخْتُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْتِزَامِ مَالِ كِتَابَتِهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يخل حال الثلاثة في الأداء من ثلاثة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعًا مَالَ كِتَابَتِهِمْ، فَقَدْ عَتَقُوا بِالْأَدَاءِ اتِّفَاقًا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْجِزُوا جَمِيعًا عَنِ الْأَدَاءِ فَيَرِقُّوا جَمِيعًا إِذَا أَعْجَزَهُمُ السَّيِّدُ وَهَذَا اتِّفَاقٌ أَيْضًا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُؤَدِّيَ بَعْضُهُمْ وَيَعْجِزَ بَعْضُهُمْ، فَيَعْتِقُ مَنْ أَدَّى وَيَرِقُّ مَنْ عَجَزَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَا يَعْتِقُ مَنْ أَدَّى إِذَا عَجَزَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يُؤَدُّوا جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَلِمَنْ أَدَّى أَنْ يُجْبِرَ مَنْ عَجَزَ عَلَى الْكَسْبِ وَالْأَدَاءِ، فَإِنْ أَدَّى الْمُؤَدِّي عَنِ الْعَاجِزِ عَتَقُوا جَمِيعًا، حِينَئِذٍ وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي عَلَى الْعَاجِزِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ.

قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمْ بالأداء حتى يؤدوا جميعا جَمِيعَ الْكِتَابَةِ، اعْتِبَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>