للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ بَيَّنَهَا وَجَعَلَ كِتَابَةَ أَحَدِهِمْ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَكِتَابَةَ الثَّانِي ثَلَاثِينَ دِينَارًا، وَكِتَابَةَ الثَّالِثِ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَكِتَابَةُ جَمِيعِهِمْ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَأْخُوذًا بِقَدْرِ كِتَابَتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا وَيَرِقُّ بِعَجْزِهِ عَنْهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ أَحَدِهِمْ بِغَيْرِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ حُكْمَ الْمِائَةِ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كِتَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَقَدْ نَصَّ الشافعي رحمه الله في كتاب الأم والإملاء وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْهُمَا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ أَنَّ كِتَابَتَهُمْ صَحِيحَةٌ، وَتُقَسَّطُ الْمِائَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ وَقَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَعَهُ فِي رَجُلٍ بَاعَ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ لَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَبْدٌ يُعِينُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُمَيِّزْ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَبِيدِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَبِيدِ عَلَى مُشْتَرِيهِ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ مُبْطِلَةٌ لِلْعَقْدِ، وَلَهُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ الصَّدَاقِ وَصِحَّةُ النِّكَاحُ، لِأَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّدَاقَ جَائِزٌ وَتُقَسَّطُ الْأَلْفُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى طَرِيقَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ وَنَقَلَ جَوَابَ كُلِّ عِقْدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَخَرَّجَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ.

وَالثَّانِي: جَوَازُ الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى جَمْعٍ بَيْنَ بَيْعِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ فِي عَقْدٍ، وَبَيْنَ بَيْعِهِمْ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي عَقْدٍ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلُ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ حُكْمَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ الْبَيْعِ فِيهِ.

وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ كَبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ الثَّلَاثَةِ قَدْ جَهِلَ فِي الْعَقْدِ مَالَ الْكِتَابَةِ، وَالْجَهْلُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ مُوجِبٌ لِفَسَادِهَا، كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ كِتَابَتَهُ عَلَى مَالٍ مَجْهُولٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ فِي الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي العبيد الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>