للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُحْرِمَ مِنَ الْحِجَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّعْرَ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الْحِجَامَةِ، رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتَجَمَ بِالْقَاحَةِ وَهُوَ صَائِمٌ، مُحْرِمٌ بِالْقَرَنِ. وَرَوَى حميد عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتَجَمَ بِلَحْيِ جملٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ " وَرَوَى جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتَجَمَ مِنْ وَنًى كَانِ بِهِ ". وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَفْتَصِدَ وَيَبُطَّ جُرْحًا؛ لِأَنَّ الْفِصَادَ شرطة من شرطان الْحِجَامَةِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْحِجَامَةَ تَقْطَعُ الشَّعْرَ.

قُلْنَا: إِنْ قَطَعَ الشَّعْرِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن ذلك وقال فإن نكح أو أنكح فالنكاح فاسد ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحِهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نِكَاحَهُ وَإِنْكَاحَهُ بَاطِلٌ.

وَقَالَ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ: جَائِزٌ اسْتِدْلَالًا، بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) {النساء: ٣) وقوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) {النساء: ٢٤) وبرواية عكرمة عن أبو عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ محرمٌ. وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ كَالرَّجْعَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُمْلَكُ بِهِ الْبُضْعُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنَ الْإِحْرَامِ، كَشِرَاءِ الإماء ولأنه مَنَعَ الْإِحْرَامُ مِنَ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، مُنِعَ مِنَ اسْتَدَامَتِهِ كَاللِّبَاسِ، فَلَمَّا جَازَ اسْتَدَامَتُهُ، جَازَ ابْتِدَاؤُهُ. وَلِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ، تَعَلَّقَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ، كَسَائِرِ النَّوَاهِي، فَلَمَّا لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ فِيهِ لَمْ يُمْنَعِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ.

وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أن عبد اللَّهِ أَرَادَ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ طَلْحَةَ بِنْتِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَبَعَثَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَكَانَ أَمِيرَ الْحَاجِّ وَكَانَا مُحْرِمَيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانٌ وَقَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنكح ".

فَإِنْ قِيلَ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ ضَعِيفٌ قِيلَ: قَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَسْبُكَ بِهِمَا، ثُمَّ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ مَشْهُورَةٌ، قَدْ حَكَاهَا عَنْ أَبَانٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>