للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي الْعَقْدِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا قِيلَ بِمَذْهَبِ أبي حنيفة إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ فَوَجْهُهُ فِي الْقِيَاسِ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَالِكِ كَمَا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ وَدِيعَةً وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ بَلْ دَفَعْتَهُ إِلَيَّ رَهْنًا فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ كَذَلِكَ هَذَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ دُونَ الْخَيَّاطِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ ذَلِكَ الْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ إِذَا ادَّعَى عَلَى مُوَكِّلِهِ الْإِذْنَ فِي بَيْعِ دَارٍ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ كَذَلِكَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ يَجِبُ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى رَبِّ الثَّوْبِ فِي صِفَةِ الْإِذْنِ كَمَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ.

وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنِ اعْتَبَرَ الْمَصَالِحَ فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ بِاللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَهُ بِقَطْعِهِ قَبَاءً نَفْيًا لِمَا ادَّعَاهُ الْخَيَّاطُ وَلَا يَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِذْنِ فِي الْقَمِيصِ بِخِلَافِ الْخَيَّاطِ الَّذِي يَكُونُ يَمِينُهُ لِإِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِذْنِ فِي الْقَبَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يُطَالِبُ بِهِ فَالْخَيَّاطُ يُطَالِبُ بِالْأُجْرَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنَ الْإِذْنِ فِي الْقَبَاءِ وَتَبِعَهُ سُقُوطُ الضَّمَانِ وَرَبُّ الثَّوْبِ يُطَالِبُ بِمَا جَنَاهُ الْخَيَّاطُ وَيُنْكِرُ الْأُجْرَةَ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يُطَالِبُ بِهِ مِنْ جِنَايَةِ الْخَيَّاطِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَحْلِفُ الْخَيَّاطُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ قَمِيصًا وَلَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ قَبَاءً وَيُحْكَمُ لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ قَبَاءً وَلَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ قَمِيصًا وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْجَامِعَةَ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ التَّحَالُفِ الَّذِي يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ مُنْكِرًا وَمُدَّعِيًا فَاحْتَاجَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ لِمَا أَنْكَرَهُ وَالْإِثْبَاتِ لِمَا ادَّعَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ههنا فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ يَمِينَ الْخَيَّاطِ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَيَمِينَ رَبِّ الثَّوْبِ عَلَى النَّفْيِ وَحَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا أُجْرَةَ لِلْخَيَّاطِ لِتَعَدِّيهِ فِي الْخِيَاطَةِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ الْخُيُوطِ إِنْ كَانَتْ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا إِنْ كَانَتْ لِرَبِّ الثَّوْبِ ثُمَّ عَلَى الْخَيَّاطِ الضَّمَانُ وَفِيمَا يَضْمَنُهُ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: يَضْمَنُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَبَاءً وَقَمِيصًا لِأَنَّ قَطْعَ الْقَمِيصِ مَأْذُونٌ فِيهِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبَاءً مِثْلَ قِيمَتِهِ قَمِيصًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَغْرَمُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ ثَوْبًا صَحِيحًا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَبَاءً لِأَنَّهُ بِالْعُدُولِ عَنِ الْقَمِيصِ مُتَعَدٍّ فِي ثَوْبٍ صَحِيحٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ مَا صَلَحَ مِنَ الْقَبَاءِ لِلْقَمِيصِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَمَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْقَمِيصِ ضَمِنَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالتَّعَدِّي.

<<  <  ج: ص:  >  >>