للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

فأما من وطئها من إمائه، فإن كانت بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ مِثْلُ مَارِيَةَ أُمِّ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَصِرْ كَالزَّوْجَاتِ أَمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ لنقصها بالرق، وإن كان قد باعها وملكها مشتريها بقي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَجْهَانِ كَالْمُطَلَّقَةِ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين وإنما أراد به الشافعي: أنهم وإن كن كالأمهات في تحريمهن فلسن كالأمهات في جميع أحكامهن إن لو كان كَذَلِكَ لَمَا زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَدًا مِنْ بَنَاتِهِ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعًا مِنْ بَنَاتِهِ، فَزَوَّجَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ: زَيْنَبَ بِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَزَوَّجَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ رقية بعتبة بن أبي لهب، وطلقها بعد النبوة فزوجها بعده عثمان بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَبَلَغَ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ هُوَ وَأُمُّهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِبَدْرٍ ثُمَّ زَوَّجَهُ بَعْدَهَا بِأُمِّ كُلْثُومَ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لَوْ كَانَ لَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاكَ وَزَوَّجَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاطِمَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فلما زوج رسول الله مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ بَنَاتِهِ عُلِمَ اخْتِصَاصُ نِسَائِهِ مَنْ حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا زَوَّجَ بَنَاتِهِ وَهُنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ غلطٌ مِنْهُ فِي النَّقْلِ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنَ الْأُمِّ: قَدْ زوج بناته وهن غير أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَغَلِطَ فِي النَّقْلِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى صِحَّةِ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ، وَأَنَّهُ عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ وَالتَّقْرِيرِ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ قَدْ زَوَّجَ بناته أو يخرجهن وَهُنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ.

فَصْلٌ

وَمِمَّا خَصَّ اللَّهُ تعالى به نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تفضيلاً لَهُنَّ وَإِكْرَامًا لِرَسُولِهِ أَنْ ضَاعَفَ عَلَيْهِنَّ عِقَابَ السيئات، وضاعف عليهن ثَوَابَ الْحَسَنَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ يُضَاعَفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) {الأحزاب: ٣٠) وفي الفاحشة المبينة ها هنا تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: الزِّنَا، وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ.

وَالثَّانِي: النشور وَسُوءُ الْخُلُقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي مضاعفة العذاب لهما ضِعْفَيْنِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَذَابَانِ فِي الدُّنْيَا لِعِظَمِ جُرْمِهِنَّ بِأَذِيَّةِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

قَالَ مُقَاتِلٌ: حَدَّانِ فِي الدُّنْيَا غَيْرُ السَّرِقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>