للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَكَلِعَانِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا قَدَّمَاهُ قَبْلَ لِعَانِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ اللِّعَانِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمُسْتَحَقَّةَ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ هِيَ الَّتِي يَسْتَوْفِيهَا الْحَاكِمُ عَلَى الْحَالِفِ، فَمِنْ صِفَتِهِ فِي أَخْذِهَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا، فَصْلًا بَعْدَ فَصْلٍ، يَقُولُ الْحَالِفَ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْهَا مِثْلَ مَا يَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى سَوَاءٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَوِّضَهَا إِلَيْهِ، فَتَكُونَ مَرْدُودَةً إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَتَصِيرَ مَحْمُولَةً عَلَى نِيَّتِهِ لَا عَلَى نِيَّةِ مُسْتَحْلِفِهِ، فَإِنْ فَوَّضَهَا الْحَاكِمُ إِلَيْهِ، فَاسْتَوْفَاهَا الْحَالِفُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ الْحَاكِمُ مُقَصِّرًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحْلِفِ.

وَفِي إِجْزَاءِ الْيَمِينِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:

أحدهما: تجزىء فِيمَا يَجِبُ بِهَا مِنْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، لِأَنَّهَا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَمْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تجزىء، لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَحْمُولَةً عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، فَكَانَتْ غَيْرَ الْمُسْتَحَقَّةِ.

وَإِذَا أَخَذَهَا الْحَاكِمُ عَلَى الْحَالِفِ، فَقَالَ بَعْدَ يَمِينِهِ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ " أَعَادَهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَرْفَعُ حُكْمَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ وَصَلَهَا بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ الْحَاكِمُ أَعَادَهَا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ قَطَعَهَا الْحَالِفُ أَوْ أَدْخَلَ فِي إِثْبَاتِهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا أَعَادَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَزَجَرَهُ عَلَيْهِ إِنْ عَمَدَ حَتَّى تُخَلَّصَ الْيَمِينُ مِنِ اسْتِثْنَاءٍ يَرْفَعُهَا أَوْ شَرْطٍ يُفْسِدُهَا، أَوْ إِدْخَالِ كَلَامٍ يَقْطَعُهَا، أَوْ سُكُوتٍ يُبْطِلُ مَا تَقَدَّمَهَا.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا كَانَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَخْرَسَ، فَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ الْإِشَارَةِ أُحْلِفَ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ كَانَ الْحُكْمُ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَزُولَ مَا بِهِ أَوْ تُفْهَمَ إِشَارَتُهُ، كَمَا يُوقَفُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ إِلَى حَالِ إِفَاقَتِهِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي رَدَّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ إِلَّا بَعْدَ النُّكُولِ عَنْهَا، وَلَمْ يُعْرَفْ نُكُولُ الْأَخْرَسِ عَنْهَا.

(فَصْلٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَهَكَذَا يَجُوزُ الْيَمِينُ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةُ فِي طَلْقَةِ الْبَتَّةِ "، يُرِيدُ بِهِ حَدِيثَ رُكَانَةَ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ دَلَّ عَلَى إِعَادَةِ الْيَمِينِ إِذَا قُدِّمَتْ عَلَى الِاسْتِحْلَافِ، فَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى حُكْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>