للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَأْخِيرَ الْقَبْضِ فِي مُعَيَّنٍ بِعَقْدِ إِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا مِثْلَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إِيَّاهَا سَنَةً ثُمَّ يُؤَجِّرَهُ سَنَةً ثَانِيَةً قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ يَدٌ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَلِأَنَّ سُكْنَاهُ فِي السَّنَتَيْنِ مُتَّصِلٌ فَصَارَ الْقَبْضُ مُعَجَّلَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى خِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَأَبْطَلَ الْإِجَارَةَ كَمَا لَوْ عُقِدَتْ مَعَ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَسَادُ قَوْلِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا أَجَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ صَحَّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ عَلَى لُزُومِهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِعَقْدٍ، وَهَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِهَا لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ بِعَقْدِهِ مَا قَدْ مَلَكَهُ مِنْ مَنَافِعِ نَفْسِهِ بِالْعِتْقِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ عِتْقِهِ. فَعَلَى هَذَا فِي نَفَقَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى سَيِّدِهِ اسْتِيفَاءٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمَيِ الْإِجَارَةِ وَالنَّفَقَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَكِنْ لَوْ أَجَّرَ دَارًا ثُمَّ وَقَفَهَا صَحَّ الْوَقْفُ وَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتَصَّ الْوَاقِفُ بِهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَقْصُورُ الْحُكْمِ عَلَى شُرُوطِ وَاقِفِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ. وَأَمَّا إِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهَا مَنَافِعَ نَفْسِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِجَارَتِهِ وَلَوْ كَانَ قَدِ ابْتَدَأَ بِكِتَابَتِهِ ثُمَّ أَجَّرَهُ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَتِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَلَكِنْ لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ أَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ أَجَّرَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَالْإِجَارَةُ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ مُدَبِّرِهِ بِتَدْبِيرِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ مُكَاتِبِهِ. وَلَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهَا.

فَصْلٌ

: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ دَارًا فَوَجَدَ مَاءَ بِئْرِهَا مُتَغَيِّرًا قَالَ أبو حنيفة: إِنْ أَمْكَنَ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ إِنْ خَالَفَ مَعْهُودَ آبَارِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ. فَإِنْ كَانَ مَعْهُودُهُمُ الشُّرْبَ مِنْ آبَارِهِمْ فَإِذَا كَانَ تَغَيُّرُهُ يَمْنَعُ مِنْ شُرْبِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعْهُودُهُمُ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْهَا فَلَا خِيَارَ إِلَّا أَنْ لَا يُسْتَطَاعَ الْوُضُوءُ مِنْهَا وَلَوْ نَقَصَ مَاءُ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَ مَعْهُودًا فِي وَقْتِهِ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْهُودٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ مَعَ نُقْصَانِهِ كَافِيًا لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ شُرْبٍ أَوْ طَهُورٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ. فَأَمَّا رَحَى الْمَاءِ إِذَا تَغَيَّرَ مَاؤُهُ فَلَا خِيَارَ لِمُسْتَأْجِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُوهَنُ فِي عَمَلِهِ. وَلَوْ نَقَصَ مَاؤُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْهُودًا فِي وَقْتِهِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>