عَنْهُ كَسَائِرِ الْأَنْجَاسِ، وَلِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ يُفْضِي إِلَى مَا يَدْفَعُهُ الْمَعْقُولُ مِنْ تَنْجِيسِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ، إِذَا ضَاقَ مَكَانُهُ وَتَطْهِيرِ الْقَلِيلِ إِذَا اتَّسَعَ مَكَانُهُ وَكَثِيرُ الْمَاءِ أَدْفَعُ لِلنَّجَاسَةِ مِنْ قَلِيلِهِ.
[(فصل: الجواب عن استدلال المالكية)]
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ: " خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا " فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِئْرُ بُضَاعَةَ وَلَوْ كَانَ عَامًّا لَخَصَّصْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْكَثِيرِ تَعَذَّرَ صَوْنُهُ عَنِ النَّجَاسَةِ، وَقِلَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ حُلُولِهَا فِيهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ فَفَرْقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: شَرْعٌ وَمَعْنًى.
وَأَمَّا الشَّرْعُ فَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِرَاقَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَقَدْ يُطَهَّرُ بِدُونِ مَا فِيهِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ تَنْجِيسَ الْمَاءِ بِوُرُودِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ مؤدٍ إِلَى أَنْ لَا تَزُولَ نَجَاسَتُهُ عَنْ مَحَلٍّ إِلَّا بِقُلَّتَيْنِ، وَهَذَا شَاقٌّ فَسَقَطَ، وَتَخْمِيرُ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ حُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ غَيْرُ شَاقٍّ فَلَزِمَ، وَصَارَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُنَجَّسُ بِورُودِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْهَا بِتَخْمِيرِ الْإِنَاءِ مُمْكِنٌ، وَصَارَ وُرُودُهُ عَلَى الْمَاءِ اضْطِرَارًا فَلَمْ ينجس.
[(فصل: الجواب عن استدلال الأحناف)]
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أبو حنيفة مِنَ الْخَبَرِ فَهُوَ أَنَّهُ نَصٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفْضِيًا إِلَى تَنْجِيسِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ.
قُلْنَا: الْتِمَاسُ فَائِدَةِ النَّهْيِ اعْتِرَافٌ بِأَنْ لَا دَلِيلَ فِي ظَاهِرِهِ عَلَى فَائِدَةِ النَّهْيِ الْخَوْفُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَاءِ بِكَثْرَةِ الْبَوْلِ فَيَصِيرُ بِالتَّغْيِيرِ نَجِسًا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ نَزْحِ ابْنِ عَبَّاسٍ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا فَمِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ إِنَّ زَمْزَمَ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ وَنَحْنُ أُعْرَفُ بِأَحْوَالِهَا، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ مَكَّةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَحَهَا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَزَحَهَا فَغَلَبَهُ الْمَاءُ لِكَثْرَتِهِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ، لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ نَزْحَهَا لِظُهُورِ دَمِ الزِّنْجِيِّ فِيهَا.
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ نَزَحَهَا تَنْظِيفًا لَا وَاجِبًا، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةٌ لَا تُنَجَّسُ، الْمَاءُ وَالثَّوْبُ وَالْأَرْضُ وَابْنُ آدَمَ.