أَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ، قِيلَ: إِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ فِي حَقِّ السِّيَاسَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِالرَّأْيِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَلَمْ يَنْقُلَا فِي حَقِّ الْمُسْتَحْلِفِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِ الْحَالِفِ حَاكِمٌ يُغَلِّظُ الْيَمِينَ إِذَا اسْتَحْلَفَ جَازَ نَقْلُهُ لِلْيَمِينِ، وَتَغْلِيظُهَا إِلَى بَلَدٍ يَقْصُرُ عَنْ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ نقله إلى ما زاد، لأن لا يَبْلُغَ سَفَرَ الْقَصْرِ، وَاسْتَنَابَ حَاكِمُ الْبَلَدِ الْبَعِيدِ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُ، وَيُغَلِّظُ يَمِينَهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ إذا كان من بلاد عمله.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يُعَظِّمُ مِنَ الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمِ مِنَ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَمَا يُعَظِّمُ الْحَالِفُ مِنْهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلَا يَحْلِفُونَ بِمَا يَجْهَلُ مَعْرِفَتَهُ الْمُسْلِمُونَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يَحْلِفُ الْكَفَّارُ فِي الْحُقُوقِ بِاللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ بِذِمَّةٍ أَوْ بِجِزْيَةٍ:
وَهُمْ ضَرْبَانِ: مُقِرٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَجَاحِدٌ لَهُ.
فَأَمَّا الْمُقِرُّ بِهِ فَضَرْبَانِ: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ، فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ أَجْرَى الْمُسْلِمُونَ الْمَجُوسَ مَجْرَاهُمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ".
وَيُسْتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ بِمَا يَنْفِي عَنْهُ احْتِمَالَ التَّأْوِيلِ، وَتُغَلَّظُ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَمَا تُغَلَّظُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَهُودِيًّا أَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى.
وَإِنْ رَأَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا، فَيَقُولَ: الَّذِي نَجَّى مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنَ الْيَمِّ، وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَعَلَ. وَهَذَا فِي كل يمين وجب تغليظهما أَوْ لَمْ يَجِبْ، لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ عَنِ اسْمِ من يخلف بِهِ، وَلِيَخْرُجَ عَنِ الْمَأْلُوفِ مِنْ لَغْوِ أَيْمَانِهِمْ كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ بِاللَّهِ الطَّالِبُ الْغَالِبُ، فِيمَا يَجِبُ تَغْلِيظُهُ، وَفِيمَا لَا يَجِبُ.
فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُ الْيَهُودِ يَجِبُ تَغْلِيظُهَا بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَمَكَانُ تَغْلِيظِهَا كَنَائِسُ الْيَهُودِ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَهَا أَشْرَفَ بِقَاعِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا الْمُسْلِمُونَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا تَغْلِيظُهَا بِالزَّمَانِ، فَفِي وَقْتِ أَشْرَفِ صَلَوَاتِهِمْ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُحْلِفُهُمْ بِمَا لَا