للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقَوَدَ اقْتَصَّ مِنْهُ وَلَمْ يُصْلَبْ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لَمْ يَكُنْ من حدود الحرابة فيسقط حُكْمُ صَلْبِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَكَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْحِرَابَةِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي حَقِّهِ مُنْحَتِمًا؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي انْحِتَامِ الْقَتْلِ ولا يسقط حَقُّ الْآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَلَوِ اجْتَمَعَ رجم الزنا وقتل الردة رجم للزنا، وَدَخَلَ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَزْيَدُ نكالاً فدخل فيه الأقل. (مسألة)

قال الشافعي: " فإن مَاتَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ كلها وفي مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا مَاتَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ صَارَ فِي الْبَاقِي مِنَ الْحُدُودِ كَالْمَيِّتِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ من الحدود، فينظر فِي الْبَاقِي مِنَ الْحُدُودِ فَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا، وَقَتْلِ الرِّدَّةِ سَقَطَتْ عَنْهُ فِي تَبِعَاتِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مَوْكُولًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَدَلٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى بَدَلٍ كَالْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ رَجَعَ مُسْتَحِقُّهُ بِدِيَتِهِ فِي مَالِ الْمُحَارِبِ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَمَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ غُرْمُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنَ الْأَمْوَالِ.

(فَصْلٌ)

إِذَا كَانَ في قطاع الطريق امرأة أقيم عليها الحدود في الحرابة كالرجل في قطعها وصلبها.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَسْقُطُ عَنْهَا حُدُودُ الْحِرَابَةِ وتقتل قوداً لا تنحتم، وتغرم المال، ولا تصلب احتجاجاً بأن امرأة لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمُحَارَبَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهَا حُدُودُ الحرابة كالصبي والمجنون.

ودليلنا: عُمُوم الْآيَةِ فِي الْحِرَابَةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ أن من وجب عليه الحد في غير الحرابة وجب عليه حد الحرابة كالرجل، وَلِأَنَّ كُلَّ حَدٍّ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ جَازَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالْحَدِّ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّبِيِّ والمجنون فالمعنى فيها سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ؛ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، فَسَقَطَ فِي الْحِرَابَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ فَوَجَبَ فِي الْحِرَابَةِ لِوُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>