أَحَدُهُمَا: يُرِيدُ لَا تُتْبِعْ نَظَرَ عَيْنَيْكَ نَظَرَ قَلْبِكَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَأْثَمُ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَيَكُونُ عَلَى عَدَالَتِهِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: لَا تتبع النظرة الأولة الَّتِي وَقَعَتْ سَهْوًا بِالنَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تُوقِعُهَا عَمْدًا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بِمُعَاوَدَةِ النَّظَرِ آثِمًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْعَدَالَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إِلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا جَازَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا، لِيَعْرِفَهَا فِي الشَّهَادَةِ لَهَا وَعَلَيْهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ وَجْهِهَا، فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ وَجْهِهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى كَفَّيْهَا، فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَكْثَرُهُمْ لِاخْتِصَاصِ الْمَعْرِفَةِ بِالْوَجْهِ دُونَ الْكَفَّيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ وَجْهِهَا، وَيَنْظُرُ مِنْهُ إِلَى مَا يَعْرِفُهَا بِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَتْ شَابَّةً نَظَرَ إِلَى بَعْضِ وَجْهِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا نَظَرَ إِلَى جَمِيعِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ نَظَرَ إِلَى بَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَاتِ جَمَالٍ نَظَرَ إِلَى جَمِيعِهِ تَحَرُّزًا مِنَ الِافْتِتَانِ بِذَاتِ الْجَمَالِ.
وَالصَّحِيحُ مِنِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَعْرِفُهَا بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا بِالنَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ وَجْهِهَا جَازَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهَا بِالنَّظَرِ إِلَى بَعْضِ وَجْهِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى النَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَّا أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ إِثْبَاتُهَا إِلَّا بِنَظْرَةٍ ثَانِيَةٍ، فَيَجُوزُ لَهُ النَّظْرَةُ الثَّانِيَةُ، وَمَتَى خَافَ إِثَارَةَ الشَّهْوَةِ بِالنَّظَرِ كَفَّ، وَلَمْ يَشْهَدْ إِلَّا فِي مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ بَعْدَ ضَبْطِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِقَابٍ عَرَفَهَا فِيهِ لَمْ تَكْشِفْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فِيهِ كَشَفَتْ مِنْهُ مَا يَعْرِفُهَا بِهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ.
: فَإِذَا عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ احْتَاجَ فِي مَعْرِفَةِ نَسَبِهَا إِلَى الْخَبَرِ الْمُتَظَاهِرِ بِأَنَّ فُلَانَةَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا هِيَ ابنة فلان ابن فُلَانٍ، وَيَكُونُ مَعْرِفَةُ الْخَبَرِ بِنَسَبِهَا لِعَيْنِهَا، كَمِثْلِ مَعْرِفَتِهِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي تَظَاهُرِ الْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِغَارٍ وَكِبَارٍ وَأَحْرَارٍ وَعَبِيدٍ فَهُوَ الْأَوْكَدُ فِي تَظَاهُرِ الْخَبَرِ بِنَسَبِهَا، لِامْتِزَاجِ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ بِمَنْ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ صَحَّ بِهِمْ تَظَاهُرُ الْخَبَرِ، لِقَبُولِ خَبَرِهِمْ، وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ الصِّبْيَانُ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَشَوَاهِدِ الْحَالِ بِانْتِفَاءِ التَّصَنُّعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute