وَالثَّانِي: هُوَ طِيبٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَأْكُولًا؛ لأن قشره يرتابه كالدهن، كَالْوَرْدِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا. فَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الدُّهْنِ الطِّيبِ فِي شَعْرِهِ وَجَسَدِهِ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا مِنْهُ فِي شَعْرِهِ، أَوْ جَسَدِهِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ، وَأَمَّا الدُّهْنُ غَيْرُ الطِّيبِ. فَإِنْ رَجَّلَ بِهِ شَعْرَهُ، أَوْ لِحْيَتَهُ، جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَّهُ نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ تَرْجِيلِ شَعْرِهِ ". وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " المحرم أَشْعَثُ أَغْبَرُ ". وَالتَّرْجِيلُ مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وأبو حنيفة: إِنِ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي جَسَدِهِ، لَمْ يَجُزْ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أدهن بزيتٍ غير مطيب وهو محرم ".
وقال أبو عبيد: غير مطيب أَيْ: غَيْرُ مُطَيَّبٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمُحْرِمُ الدُّهْنَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ طِيبًا، فِي جَسَدِهِ دُونَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَلَوْ دَهَنَ رَأَسَهُ وَكَانَ مَحْلُوقَ الشَّعْرِ، لَمْ يَجُزْ، وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ فِي تَدْهِينِ رَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْلُوقًا تَحْسِينَ الشَّعْرِ إِذَا ثَبَتَ فَصَارَ مُرَجَّلًا لَهُ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ أَصْلَعَ الرَّأْسِ، جَازَ أَنْ يَدْهُنَهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْأَمْرَدِ أَنْ يَدْهُنَ بَشَرَةَ وَجْهِهِ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُرَجَّلًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي رَأْسِهِ شِجَاجٌ قَدْ ذَهَبَ الشَّعْرُ عَنْ مَوْضِعِهَا، جَازَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهَا دُهْنًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ طِيبًا، وَلَا يَفْتَدِي.
: إِذَا طَلَى الْمُحْرِمُ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِاللَّبَنِ، جَازَ، وَلَا فِدْيَةَ عليه، وَإِنْ كَانَ السَّمْنُ مُسْتَخْرَجًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بدهن، ولا يحصل به ترجيل الشعر، الشَّحْمَ وَالشَّمْعَ إِذَا أُذِيبَا كَالدُّهْنِ، يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ من ترجيل الشعر بهما.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا أَكَلَ مِنْ خبيصٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ، فَصَبَغَ اللِّسَانَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا أَكَلَ الْمُحْرِمُ خَبِيصًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْحَلْوَاءِ وَالطَّبِيخِ، وَفِيهِ زَعْفَرَانٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الطِّيبِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ وَلَا رَائِحَتُهُ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِأَنَّ الطِّيبَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ وَإِنْ ظَهَرَ بِأَحَدِ أَوْصَافِهِ، نَظَرْتَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ رَائِحَةٌ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ رَائِحَةَ الطِّيبِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمٌ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَعْمَهُ فِي الْمَأْكُولِ مَقْصُودٌ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ لَا غَيْرَ. فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا، وَفِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ، أَنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ، يُخَرِّجَانِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ لَوْنَ الزَّعْفَرَانِ مَقْصُودٌ كَطَعْمِهِ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ لَوْنِهِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ رَائِحَتِهِ، وَإِنْ خفي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute