والقسم الخامس: أن لا يكون لَهُ يُمَنَى وَتَكُونُ قَدْ ذَهَبَتْ قَبْلَ سَرِقَتِهِ إِمَّا بِجِنَايَةٍ أَوْ عِلَّةٍ، فَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ السَّرِقَةِ بِذَهَابِهَا بِخِلَافِ الذَّاهِبَةِ بَعْدَ سَرِقَتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ قَدْ تَعَيَّنَ فِيهَا إِذَا تَأَخَّرَ ذَهَابُهَا فَسَقَطَ بِذَهَابِهَا، وَإِذَا تَقَدَّمَ ذَهَابُهَا تعيين الْقَطْعُ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَهَابِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الْعُدُولُ إِلَى قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْيُمْنَى يَجْعَلُ السَّرِقَةَ الْأُولَى في حكم الثانية، والمقطوع في الثانية رجله اليسرى دون اليد الأخرى، والله اعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " فإذا سَرَقَ الثَّانِيَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وهو قول الجمهور من الْفُقَهَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهَا إِلَى الْيَدِ الْيُمْنَى أَقْرَبُ مِنَ الرِّجْلِ، فَكَانَ الْعُدُولُ مِنْهَا إِلَى مَا قَارَبَهَا أَوْلَى مِنَ الْعُدُولِ إِلَى مَا بَعُدَ عَنْهَا.
وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِرِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ) .
وَرُوِيَ أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ هَلْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ يَدِ السَّارِقِ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَطَعَ رِجْلَهُ بَعْدَ الْيَدِ.
وَلِأَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا قُطِعَ فِي الْحِرَابَةِ الرِّجْلُ بَعْدَ الْيَدِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ مِثْلُهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ قُطِعَتْ مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ وَلَمْ تُقْطَعْ إِلَّا بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ؛ لِئَلَّا يَتَوَالَى عليه القطعان فيتلف وإن جمع بين قطعهما فِي الْحِرَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَطْعَهُمَا فِي الحرابة حد واحد، والحد واحد يُجْمَعُ وَلَا يُفَرَّقُ، وَقَطْعُهُمَا فِي السَّرِقَةِ حَدَّانِ، والحدان لا يجمع بينهما، ويفرقان.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " فإذا سَرَقَ الثَّالِثَةَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ الكف ثم حسمت بالنار فإذا سَرَقَ الرَّابِعَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَتُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَتَقْطَعُ فِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ.