للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَغْلَبِ أَصْلًا مُعْتَبَرًا في العدالة والفسق.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُقْبَلُ الشَّاهِدُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ مِنْهُ أَوْ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ حُرٌّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ تَقَرَّرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الشَّهَادَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِدِينِهِ، وَمُرُوءَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.

فَأَمَّا اعْتِبَارُهَا بِدِينِهِ، فَيَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُواظِبَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَجْتَنِبَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْمَعَاصِي مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُصِرَّ عَلَى صَغَائِرِ الْمَعَاصِي، وَإِصْرَارُهُ عَلَيْهَا الْإِكْثَارُ مِنْهَا وَقِلَّةُ الِانْقِبَاضِ عَنْهَا، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِيهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَهُ مِنْ حَالِهِ، فَيَجُوزَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِعِلْمِهِ سَوَاءٌ قِيلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ أَمْ لَا. لِأَنَّهَا صِفَةُ إِخْبَارٍ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَجْهَلَ حَالَهُ فَتَثْبُتَ عَدَالَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي. مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ بِهِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِعَدَالَتِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّنِي عَدْلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِفِسْقِهِ بِقَوْلِهِ: إِنِّي فَاسِقٌ. لِأَنَّهُ مَتْهُومٌ فِي التَّعْدِيلِ وَغَيْرُ مَتْهُومٍ فِي الْجَرْحِ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تُوجِبُ لَهُ حَقًّا وَالْفِسْقَ يُوجِبُ عَلَيْهِ حَقًّا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنَ الْمُرُوءَةِ فِي الْعَدَالَةِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ. وَلَيْسَ لِمَا لَا يُعْتَبَرُ مِنْهَا تَأْثِيرٌ.

وَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ مِنْهَا، فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَفْعَالِ الْعَدْلِ. فَإِنْ عَرَفَهُ الْحَاكِمُ عَمِلَ فِيهَا بِمَعْرِفَتِهِ. وَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ سَأَلَ عَنْهَا. وَهَلْ تَثْبُتُ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ أَوْ شَهَادَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَثْبُتُ عِنْدَهُ إِلَّا بِشَهَادَةٍ، كَالْعَدَالَةِ فِي الدِّينِ، وَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ قَدْ جرياه عَلَى قَدِيمِ الْوَقْتِ وَحَدِيثِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا خَبَرٌ تَثْبُتُ بِقَوْلِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الدِّينِ بَاعِثَةٌ عَلَيْهَا. فَقَوِيَ الْخَبَرُ بِهَا فَأَقْنَعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>